-وفي آخر الرواية كلمة ناقصة في كتاب الشيخ وهي: (فيهم) الكلمة التي في آخر رواية البخاري، وهذه كلمة مهمة لأنها توضح أكثر بأن الصيغة ليست صيغة صريحة في أسباب النزول كما هو معلوم في علم أسباب النزول. ويؤكد هذا أول الرواية في أن ابن عباس يقرأ الآية فسئل عنها، والسائل لم يذكر أنه سأله عن سبب نزولها وإنما كان السؤال عاما. فأجاب ابن عباس بما يوضح المعنى مما هو في حكمها.
وبالتالي كذلك هذا المثال لا يصلح فيما يريد الشيخ الفاضل أن يؤسس له.
5 - قال المؤلف:"قوله تعالى: [ولا تمدن عينيك] [طه:131] ... وهذه الرواية ضعيفة".أ. هـ. ذكر المؤلف رواية وذكر تضعيفها، والرواية الضعيفة لا تصلح سببا في النزول، ولم يكن هناك داع لذكرها، ولا تصلح للاستشهاد فيما نحن فيه.
6 - القول في المثال السادس كما في المثال الخامس، رواية ذكر تضعيفها فلا تصلح لما نحن بصدده.
7 - "قوله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ] [يس:12]، نزلت في بني سلِمة وكانت أمكنتهم بعيدة عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت الآية"أ. هـ. ثم قال بأن الآية مكية "ويستحيل أن تكون الروايات التي ذكروها هي سبب النزول ... ومما لا ريب فيه إذن أن الآية تليت في شأن بني سلمة وهم من الأنصار، لا أنها نزلت فيهم. وقد تقدم لك ما ذكره ابن القيم في كتابه (شفاء العليل) عند الحديث عن هذه الآية الكريمة ... حيث ذكر أن الآية مكية ورد القول بتعدد النزول، فراجعه هنا".أ. هـ. ونقل الشيخ فضل تحسين هذه الرواية عن الترمذي وتصحيحها عند الحاكم.
يبدو لي أننا اقتربنا قليلا من نقطة الحوار الحقيقية في هذا المثال حيث ذكر رواية صحيحة لتأكيد ردها في السببية بحجة مخالفتها السياق، ولي على هذا الكلام الملاحظات الآتية:
- ما نقله الشيخ فضل عن ابن القيم ـ رحمه الله ـ بأن هذه الآية مكية يجعلني اختلف معه في فهم كلام ابن القيم كما اختلفنا في فهم كلام الطبري من قبل: وكلام ابن القيم المشار إليه في شفاء العليل بتمامه هو هكذا:
" إن سورة يس مكية وقصة بني سلمة بالمدينةإلا أن يقال هذه الآية وحدها مدنية وأحسن من هذا أن تكون ذكرت عند هذه القصة ودلت عليها وذكروا بها عندها إما من النبي صلى الله عليه وسلم وإما من جبريل فأطلق على ذلك النزول ولعل هذا مراد من قال في نظائر ذلك نزلت مرتين".أ. هـ. فرأي ابن القيم ـ رحمه الله ـ إذن بأن السورة مكية، وجوّز أن تكون هذه الآية مدنية! وذلك مراعاة لسبب النزول طبعا، وكان الأحسن عنده أن تكون الآية الكريمة ذكرت عند هذه القصة.
-وما ذكره ابن القيم من احتمال أن تكون الآية مدنية لا يمكن رده، إذ لا دليل على عكس ذلك، فأكثر القرآن الكريم لا يمكننا الجزم في كل آية هل هي مكية أم مدنية. ولذلك لم يمل إليه ابن القيم كثيرا ولكن لم يستطع رده، واختار القول الآخر.
-واللافت للنظر أيضا بأن ابن القيم ـ رحمه الله ـ لم يتعرض في هذا المقام للسياق، وإنما لكون السورة مكية أم فيها شيء مدني؟ كما سيتضح بعد قليل.
-يبدو لي أن هذا المثال الذي ذكره الشيخ فضل لا يسلم له لتحقيق ما يريد؛ لأن هذا المثال في الحقيقة لا يُبحث في باب السياق وسبب النزول وتفضيل السياق على السبب عند التعارض كما يريد الشيخ، وإنما هذا يُبحث في باب الآيات المدنية في السور المكية، وهناك تناقش الروايات لإثبات هذه السورة (يس) كلها مكية أم فيها قرآن مدني؟ ولو لاحظنا العلماء في تفاسيرهم عندما تعرضوا لهذه السورة ولهذه الآية ولسبب النزول محل النزاع، لم يناقشوا موضوع السياق، وكان كلامهم أن السبب مدني والسورة مكية، وهل تكرر النزول أم لا؟ وهل هذه السورة نزلت مرتين أم لا؟ وهل هذه الآية مدنية أم لا؟ ولم يتعرضوا إلى السياق.
¥