تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-وهذا المثال لا ينطبق مع ما يريد الشيخ فضل؛ لأن المقارنة هنا ليست بين السياق وسبب النزول، وإنما بين الروايات الواردة في كون هذه السورة مكية وبين ما ورد في سبب نزولها المدني، وكلها روايات يسوغ لنا الترجيح بينا ويدخل السياق على أنه أحد المرجحات بين الروايات، بمعنى آخر أن سبب النزول على فرض أننا رددناه فلن يكون هذا بسبب السياق فحسب، وإنما بترجيح الروايات الأخرى؛ لأن الأغلبية الساحقة من العلماء ترى بأن سورة (يس) مكية، بل ادعى الإجماع على مكيتها القرطبي و ابن عطية والآلوسي والثعالبي في تفاسيرهم، وفي مكيتها عدد من الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وإن كنت أقول بأن ادعاء الإجماع لا يسلم لهم؛ لأنهم ذكروا في نفس الوقت قول فرقة خالفت وأيدت سبب النزول، لكن هذا يدل على مدى قوة الرأي القائل بأنها مكية كلها. وبالتالي المسألة هنا ترجيح بين الروايات في كون السورة كلها مكية أم فيها شيء مدني، وهي بعيدة عن مسألة السياق وإعطائه رتبة فوق السبب الصريح الصحيح بشكل عام، وهو الذي يتحدث عنه الشيخ فضل وهذا يغلب عليه الاجتهاد، وهذا المثال لا يخدمنا فيه.

-نعم من الطبيعي أن السورة المكية سياقها مكي، والمدنية سياقها مدني ـ مع الأخذ بعين الاعتبار مدى قدرتنا على إثبات بأن كامل السورة كذلك ـ لكن الاكتفاء بهذا الكلام لإدخال هذا المثال في باب السياق والسبب الصحيح الصريح لنحكم بأن السياق له مرتبة لا يبلغها السبب الصريح الصحيح، وتعميم ذلك على كل سياق سواء ما ثبت منه بروايات كما هنا أو الذي يجتهد في استنباطه، فيه من التكلف والمجازفة ما فيه.

8 - ذكر المؤلف الآية 51 من سورة العنكبوت، وذكر رواية في سبب نزولها وذكر تضعيف هذه الرواية، وهي كما قال. وبالتالي لا نعدها سببا للنزول ولا تصلح فيما نحن فيه من بحث.

9 - "قوله تعالى: [وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ] [فصلت:22].

أخرج البخاري في سبب نزولها عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ بَعْضَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ فنزلت الآية. ومع يقيننا بصحة رواية البخاري ـ رحمه الله ـ لكن الذي لا نستطيع قبوله أن تكون الرواية سبب نزول؛ ذلك أن سياق الآية مع ما قبلها كان حديثا عن الآخرة. قال تعالى: [وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ] ... فكيف يقطع السياق، وتفكك أجزاؤه؟! نعم، قد يقال: إن هؤلاء النفر تليت عليهم هذه الآية الكريمة، ولكن بعض الرواة قال: نزلت، والله أعلم".أ. هـ.

-يبدو لي أن السبب فيما أشكل على الدكتور الفاضل في موضوع السياق هو بعض الخلط بين السبب والمناسبة، فهو ينظر إلى الآيات من خلال السبب فيختل السياق، وهذا برأيي غير صحيح؛ لأنه بهذه الطريقة يكون ـ من حيث لا يدري ـ قد فسر القرآن بخصوص السبب، والقرآن لا يفسر بخصوص السبب وإنما الأصل في تفسيره عموم اللفظ ما لم يثبت غير ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير