تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن الله سبحانه أنزل القرآن الكريم كله لهداية البشرية، ولكن شاءت حكمته أن ينزل بعض الآيات وهي الأقل من القرآن الكريم على أسباب خاصة، وعندما جمع القرآن الكريم لم يجمع بمراعاة أسباب النزول، وإنما جمع كما كان مكتملا قبل أن ينزل، وفي هذه الحال توضع الآيات التي لها سبب نزول خاص بجوار أختها التي لم يكن لها سبب خاص، مع اختلاف في تاريخ النزول وظروفه، وما معنى آية مكية في سورة مدنية إلا أن نقول بأن الآية اخذت من بيئتها، وممن خاطبتهم من المشركين أولا، ومن السبب الذي نزلت فيه، ووضعت مع آيات تخص النصارى أو اليهود في المدينة أو غير ذلك مما لم يكن في مكة عند نزول الآية المكية، وهذا لا يعني أن نرجع إلى الأسباب الصحيحة لنزول هذه الآيات فنبطلها بحجة اختلال السياق! وإنما دأب العلماء أن يكشفوا الخيط الدقيق الذي يسلك كلا من المشركين في مكة وسبب النزول آنذاك، ثم يسلك اليهود أو غيرهم مما وضعت الآية معه في القرآن المدني، وهذا الخيط الذي نكتشفه هو السياق المعتمد. وهذا ما جعل الطبري يحيد عن الظاهر في المثال الأول سابق الذكر. لأن الظاهر لو كان هو السياق المقصود لما تعارض مع سبب نزول صحيح وصريح. والطبري لم يترك السياق، وإنما ترك ما كان يظنه هو السياق ثم أوجد سياقا آخر مقنعا له، لا يردّ فيه السبب الصحيح الذي له حكم المرفوع كما هو معلوم. ثم هب أن فلانا من الناس لم يجد السياق المناسب الذي يقنعه، فهل هذا يعني أن يحذف ما صح من هذا الدين حتى تستقيم له الأمور؟ أم ينبغي أن يقول كما يقول العلماء: لا أعلم؟ ويترك الأمر لمن وجد السياق.

ثم أعود فأقول: نحن بعد جمع القرآن الكريم نؤمن بأنه لكل حرف وآية وسورة مناسبة للسباق واللحاق، وهو ما يسمى بالسياق. سواء عرفنا هذه المناسبة أم لم نعرف. ومن بين هذه الآيات التي لها مناسبات الآيات التي لها أسباب نزول خاصة، وبالتالي هناك آيات في القرآن الكريم يجتمع فيها مناسبة وسبب نزول خاص، وبالضرورة أن المناسبة ليست هي سبب النزول وإلا لما كان هناك أسباب ومناسبات عند العلماء، وعندما ننظر للآيات الكريمة نتحرى المناسبات بالنظر للسباق واللحاق، ويستعان أحيانا بما في الأسباب والأصل ما ذكرته أولا؛ لأنه هو أصل القرآن الكريم الذي كان كتابا واحدا متآلفا متناسبا، ولذلك المناسبات تدخل في الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، بينما الأسباب لا علاقة لها بالإعجاز.

-ولو طبقنا هذا الكلام على هذه الآيات الكريمة ينحل الإشكال، فالآية:] [َمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ] من الكلام الذي تقوله الجوارح في الآخرة لأصحابها الكفار، هذه المناسبة المتناسبة مع اللحاق والسباق. وكون السبب حادثة خاصة في الدنيا لا يعكر على هذا، لأن المناسبة غير السبب ومنشأ المناسبة غير منشأ السبب. وكون السبب في أن الآيات نزلت في نفر من المشركين لا يضر؛ لأن هذا سبب خاص والتفسير يبقى على العموم الذي يشمل جوارح هذا النفر وجوارح غيرهم؛ لأنهم من بين هؤلاء الذين تشهد عليه جوارحهم. وتبقى هناك مزية للسبب في كونه داخل في العموم لا محالة، ولا يطاله التخصيص.

وكان الدكتور فضل قد نقل لنا قولا جميلا للسيوطي هذا مقامه وهو ما ذكرته في البداية برقم (1)، فارجع إليه ترى كيف يوفق بين السبب والمناسبة، وبين أن الجمع كان على المناسبة، دون أن يخل هذا بالسبب.

- ومن جهة أخرى في تفسير الآيات ومعرفة سياقها، ما المانع أن يكون قوله تعالى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير