[وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ] من كلام الله تعالى وليس من كلام الجوارح؟ ونزل في نفر من المشركين كما هو سبب النزول، وعند ترتيب القرآن الكريم وضع هنا بالوحي لما فيه من التقريع المناسب للسباق واللحاق، وكلهم أعداء الله جمع بينهم أنهم ظنوا أن لن تقوم الأدلة على أفعالهم. وظنهم هذا لا شك كان في الدنيا وليس في الآخرة وهو المشار إليه بالآية الثانية: [وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ]؟
يبدو لي بأن ما ذكره الدكتور الفاضل غير كاف لرد سبب صريح صحيح له حكم المرفوع، وهو ليس في البخاري فقط وإنما متفق عليه.
- ومن جهة أخرى لو نظرنا في أعلام كتب التفسير مثل الطبري والقرطبي والرازي لا نراهم ذكروا شيئا مما ذكره الدكتور، مع أنهم ذكروا التفاسير الممكنة للآيات، ولم يواجههم أي إشكال في مسألة السياق!
10ـ " وأخيرا قوله تعالى: [ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض] [الشورى:27] قالوا إن هذه الآية نزلت في شأن بعض أهل الصفة، الذين أحبوا أن يكونوا أصحاب غنى، والآية مكية كما تعلم ـ لم يخالف في مكيتها أحد، فكيف تكون نزلت في شأن أهل الصفة الذين كانوا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم".أ. هـ.
أقول: هناك أقوال في التفاسير كثيرة عن هذا السبب، والذين قالوا به لا شك أنهم لا يرون هذه الآية مكية.
ووجدت عدة روايات لهذا السبب أكثرها شهرة عن عمرو بن حريث، وهذا كما في الإصابة مختلف في صحبته، وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن علي رضي الله عنه قال: إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة [ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض] وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا فتمنوا الدنيا. وعبارة السببية هنا غير واضحة في كونها صريحة، ويحتمل أن تكون الآية في حكمهم.
وهناك روايات أخرى في نفس المعنى، ويبدوا هذا المثال أيضا غير كاف فيما يريد الشيخ أن يثبته، فهو ما بين الضعيف و الصيغة غير الصريحة. ولو صح سندا وبصيغة صريحة فلا مانع أن تكون هذه الآية مدنية، وكتب التفسير مليئة بهذه الرواية وكل من يرويها لابد أنه لا يمانع من أن تكون الآية مدنية في سورة مكية.
لكن في الختام أطرح هذه النقاط:
1 - أيهما أعلى رتبة ويقدم على الآخر: السياق أم السبب الصريح الصحيح ومعلوم أنه له حكم المرفوع؟
2 - أين آراء العلماء الكبار فيما يريده الشيخ من تقديم السياق على السبب، وهل صرحوا بهذا، لم نره ذكر شيئا من ذلك.
بل نرى الطبري في تفسيره لقوله تعالى: [وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] [النساء:161] يصرح بأن السياق تبع للسبب وليس العكس فيقول: "فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل، أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم به حجة، فأما الدعاوى فلا تتعذر على أحد". ومن الحجج المؤكدة حديث النزول الصحيح الصريح، لأنه في حكم المرفوع. ويمكن أن ترى توسعا لما أقول في كتاب قواعد الترجيح لحسين الحربي.
3 - ومن جهة أخرى يبدو لي بأن موضوع السياق يحتاج إلى تقسيم وتفصيل: فمنه ما هو ثابت بالأحاديث أو الآثار، ومنه ما هو مجرد اجتهاد ونظر إلى ظاهر الآيات، ومنه ما هو واضح، ومنه ما هو غامض، ومنه ما بني على استبعاد سبب النزول، ومنه ما بني على سبب النزول، وغير ذلك من كلام يمكن أن يقال في السياق، ويبدو لي بأن السياق بالطريقة التي طرحها الدكتور الفاضل لم يأخذ حظه من الدقة في العرض؛ ولذلك كان فيه ما كان، ولكن من خلال الحوار والتفاعل مع هذا الموضوع، وطرحه في ملتقى التفسير ليصل إلى الشيخ وغيره من المتخصصين ليدلي الجميع برأيه فقد نصل إلى نتيجة مرضية والله أعلم.
4 - وحتى يكون الكلام مثمرا حبذا لو كانت المشاركات في صلب الموضوع كما مر سابقا.
والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[14 Aug 2010, 11:52 ص]ـ
بارك الله فيكم أستاذنا الكريم وبارك في علمك وعملك
والحقيقة أن هذا الموضوع الذي أثرته موضوع في غاية الأهمية، وخاصة من ناحية صيغ أسباب النزول، واعتبار السياق دعامة أساسية في قبول سبب النزول وتقديمه أحيانا على صحة الرواية التي ادعي أنها سبب نزول.
فأما قضية تقسيم صيغ النزول إلى صريحة وغير صريحة فهي محل إشكال وخاصة أن الذين رويت عنهم هذه الروايات في النزول لم يتقيدوا بصيغة معينة ولم يكن لديهم مصطلح سبب النزول بالمعنى المتأخر وإن كان موجودا كمعنى من المعاني المستخدمة في التعبير عن النزول
وأما قضية السياق واعتباره دعامة أساسية في قبول سبب النزول وتقديمه على الصحة فهي قضية لها وجاهة؛ لأن الإشكال - كما لا يخفى عليكم - ليس في صحة الرواية وإنما في صحة ادعاء كونها سببا للنزول
وقد فصل الكلام في هاتين القضيتين الدكتور خالد المزيني في كتابه (المحرر في أسباب النزول) وأتى بفوائد وكلام يحسن مراجعته
وللفائدة يحسن مراجعة هذا الرابط
تعريف (سبب النزول) ورأي الشيخ عبدالحميد الفراهي في ذلك ( http://tafsir.net/vb/showthread.php?t=16802)
¥