تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور الفاضل أحمد العمراني .. حفظك الله.

المجال هنا في الملتقى مجال مناقشات علمية، ولعل صدرك يسع ما سأقوله، ولا يكن في الخلاف في الرأي خلاف للود.

إن موقف الصحابة رض3 والتابعين من الإسرائيليات واضح وسهل جدا. وعلى موقفهم هذا سار السلف من بعدهم ولم يكن هناك أي إشكال في الرواية عن بني إسرائيل، فقد جاء الحديث الصريح بجواز التحديث عنهم، فما علمنا صدقه صدقناه، وما علمنا كذبه كذبناه، وما لم نعلم صدقه أو كذبه سكتنا عنه.

ولو تأملتَ - حديثك حفظك الله - وجدته مبنياً على أحكام وتصورات سابقة لا على الآثار التي اعتمدت عليها أو على غيرها مما هو موجود في كتب الآثار؛ فليس في تلك الآثار ما يدل على قولك:

"ولعله من الأسباب الطبيعية التي دفعت الصحابة الكرام ليتعاملوا مع أهل الكتاب تلك الحركة الأولى في تفسير القرآن التي كانت تعتمد على النقل، وليس ثمة مجال للعمل الفكري الذي ينفي ويثبت، وإنما الأمر مرده الى الرواية المحضة"

فمعلوم أن الصحابة والتابعين كانوا يجتهدون، وكان هناك مجال كبير للعمل الفكري، والآثار التي تدل على اجتهاد الصحابة والتابعين كثيرة جدا.

أو على قولك عن ابن عباس رض1 وتلاميذه" هذه هي حقيقة موقف ابن عباس من أهل الكتاب، وهو إذا كان يدعو الى تجنب الرجوع الى اهل الكتاب، فبسبب ما أدخل من فساد على عقول العامة، أما العلماء فإن معهم من الأسباب ما يجعلهم يقفون طويلا قبل أن يصدقوا ما يلقى إليهم من قول.

وعلى نهج الحبر ابن عباس سار تلاميذه الكبار الذين شكلوا معه مدرسة التفسير، وخصوصا سعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني وعطاء بن أبي رباح، وأضافوا بما حصلوا عليه من معارف شيوخهم، وبما استزادوه من معارف عصرهم وبيئتهم ما لم يحصل أو لم يكن موجودا في عصر السابقين" فلم أجد في الآثار التي ذكرتها نتيجة تؤدي إلى هذا الاستدلال الذي توصلت إليه. ولو ذكرت لنا أمثلة تدل على أن أنهم فرقوا في في الحكم في جواز الأخذ عن بني إسرائيل على حسب المتلقي.

وقولك عن مجاهد"فبالرجوع الى النصوص المروية عنه في هذا المجال نجده فعلا قد أكثر وخالف المبدأ الشرعي للحديث المحذر " لا تصدقوهم ولا تكذبوهم " إذ كثيرا ما يروي عنهم أحاديث في الأنبياء وقصصا عنهم لا تجوز في حقهم وحق عصمتهم، ومهما التمسنا له من مبررات للأخذ من أهل الكتاب وحصرنا الروايات القليلة التي رويت عنه في هذا المجال، فإن المبدأ يبقى هو المبدأ والمنهج ذاته غير مقبول في رواية تلك الأخبار حتى ولو كان خبرا واحدا"

فأخالفك – حفظك الله - في قولك هذا، فليس في الآثار ما يدل على أن مجاهد خالف هذا الحديث، بل كان عمله موافق لهذا الدليل ولغيره، كقوله صلى الله عليه وسلم"حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"

وهذه الأحاديث الإسرائيلية كما هو معلوم لديك تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، كما قال ابن تيمية رح1، وكما بيّن في مقدمته أنها على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.

والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته؛ لما تقدم. وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا. ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسي من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها اللّه لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم اللّه منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه اللّه في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير