فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه اللّه عليه؛ فلهذا قال: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف؛ أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم. فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا. فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا، و يرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور. واللّه الموفق للصواب " أنظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير) (ج 2 / ص 313 - 315).
فالأمر يسير – حفظك الله - ولا يحمل أن المرء " يخشى على نفسه وعقله من تلك الترهات الفكرية التي تتشوف إليها العقول، ولكنها قد تخربها في بعض الأحيان"فلم نعهد أن الحديث عن بني إسرائيل كان له أثر سلبي على عقيدة أو أفكار المسلمين يوماً ما.
هذه ملاحظات سريعة على مقالك، ليتسع لها صدرك، وليتك – رعاك المولى – تطلع على مقدمة ابن تيمية مع شرح الشيخ مساعد الطيار، وكذلك كتابه: مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير، وهي موجودة في الملتقى على الرابط: http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=19163
ففيها نفائس ودرر.
وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[17 Aug 2010, 02:11 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
الأخ الفاضل الأستالذ الدكتور أحمد العمراني ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
سعيد بتجديد اللقاء معكم على هذا الموقع المبارك، في هذا الشهر المبارك.
جزاكم الله خيرا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[17 Aug 2010, 06:24 م]ـ
الدكتور أحمد العمراني
حياكم الله في الملتقى، وبارك الله لكم في بحوثكم.
وهذا البحث مما وقع فيه نزاع ظاهر، وكم أتمنى أن تتأملوا بعض ما وصلتم إليه، وبعض المصطلحات التي استخدمتموها.
1 ـ أرجو أن تتأمل عبارة: (وهي روايات مطعون في أسانيد بعضها، وما صح منها أدرج ضمن ما سمح به ابن عباس لنفسه، وفهمه من التوجيهات النبوية، وما كان غير ذلك فهو مدسوس عليه أو ضعيف من حيث السند أو المتن)
إن عبارة (مدسوس عليه) كلمة خطيرة، فهل خفي هذا المدسوس على الطبري وابن عطية وابن كثير والخازن وغيرهم؟!
وكيف نعرف أنه مدسوس عليه، وهون ثابت عنه؟!
2 ـ وأرجو أن تتأمل هذه الجملة: (والوهم في تلك الرواية إنما هي بلا شك عمن دونه، أو لعل الحبر لم يقطع بذلك، إنما أخذه عمن لا يدري من هو، ولا شك في أنه شيء سمعه فذكره، لأنه رضي الله عنه لم يحضر ذلك، ولا ذكره عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومحال أن يقطع (رضي الله عنه) بما لا علم له به).
كيف حصل لكم الجزم بأن الوهم هو عمن دونه؟
ثم هل هذه الاحتمالات تكفي في ردِّ الثابت عنه؟!
وكيف يُتَّهم الحبر بأنه أخذ عمن لا يدري من هو؟!
3 ـ لا حقيقة لوجود مدارس تفسيرية بين السلف، فهم مدرسة واحدة، وأصولها واحده، ومنهجها واحد، وأرجو أنتتأمل هذا، فهم مدرسة واحدة أمام غيرهم من أهل البدع من الرافضة والمعتزلة وغيرهم ممن يخالفهم في الأصول.
إن الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر، وأتمنى أن يتسع صدركم لهذا.
وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح.
ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[19 Aug 2010, 02:46 م]ـ
الاخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله
أشكركم على قراءة الموضوع، ثم أشكركم على ما أبديتموه من ملاحظات علمية، واعذروني إن لم أجبكم الآن، لأنكم طلبتم مني بحوثا وليس ردودا وأجوبة، وأعدكم أني سأجيبكم قريبا عما طلبتم بعد توفير بعض الوقت لذلك، وإن كنت سأختلف مع إخوة عقبوا على ما خطت يدي، والخلاف لا يفسد للود قضية، وكل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام الوحي الصادق، وشكرا لكم مرة أخرى والسلام عليكم وحرمة الله وبركاته.
كما أشكر الإخوة الذين رحبوا بي، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الرحمان الشهري، والأستاذ أحمد بزوي، والأستاذ مساعد الطيار، والأستاذ الفجر الباسم، والأستاذ تيسير الغول، والأستاذ عطاء الله الأزهري، وكل الاخوة الأفاضل جزاهم الله خيرا.
محبكم د/ أحمد العمراني.
¥