سعيد بن المسيب. وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوووس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير".
لهذا كله نجد أستاذه ابن عباس يثق بعلمه، ويحيل عليه مَن يستفتيه، وان يقول لأهل الكوفة إذا أتوه ليسألوه عن شئ: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ - يعنى سعيد بن جبير - ويروى عمرو بن ميمون عن أبيه أنه قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى عمله. ويرى بعض العلماء أنه مُقدَّم على مجاهد وطاووس فى العلم، وكان قتادة يرى أنه أعلم التابعين بالتفسير.
هذا وقد وَثَّقَ علماء الجرح والتعديل سعيد بن جبير، فقال أبو القاسم الطبرى: هو ثقة، حُجَّة، إمام على المسلمين. وذكره
وقد قُتل فى شعبان سنة 95 هـ (خمس وتسعين من الهجرة)، وهو ابن تسع وأربعين سنة، قال أبو الشيخ: قتله الحجاج صبراً. وله مناظرة قبل قتله مع الحجاج، تدل على قوة يقينه، وثبات إيمانه، وثقته بالله، فرضى الله عنه وأرضاه.
ثم قال:
ثانياً: مدرسة التفسير بالمدينة
*قيامها على أُبَىّ بن كعب:
كان بالمدينة كثير من الصحابة، أقاموا بها ولم يتحوَّلوا عنها كما تحوَّل كثير منهم إلى غيرها من بلاد المسلمين، فجلسوا لأتباعهم يعلمونهم كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقامت بالمدينة مدرسة للتفسير، تتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسِّرين من الصحابة. ونستطيع أن نقول: إن قيام هذه المدرسة كان على أُبَى بن كعب، الذي يُعتبر بحق أشهر من تتلمذ له مفسِّرو التابعين بالمدينة، وذلك لشهرته أكثر من غيره فى التفسير، وكثرة ما نُقل لنا عنه فى ذلك.
* *
* أشهر رجالها:
وقد وُجِد بالمدينة فى هذا الوقت كثير من التابعين المعروفين بالتفسير، اشتهر من بينهم ثلاثة، هم: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظى. وهؤلاء منهم مَن أخذ عن أُبَىّ مباشرة، ومنهم مَن أخذ عنه بالواسطة.
وأرى أن أسوق نبذة عن تاريخ كل واحد من هؤلاء الثلاثة، بما يتناسب مع جانبه العلمى فى التفسير فأقول:
1 -
أبو العالية
* ترجمته ومكانته فى التفسير:
هو أبو العالية رفيع بن مهران الرياحى مولاهم، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين. روى عن علىّ، وابن مسعود، وابن عباس. وابن عمر، وأُبَىّ بن كعب، وغيرهم، وهو من ثقات التابعين المشهورين بالتفسير. قال فيه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. وقال اللالكائى: مجمع على ثقته. وقال فيه العجلى: تابعى ثقة. من كبار التابعين. وقد أجمع عليه أصحاب الكتب الستة. وكان يحفظ القرآن ويتقنه، وروى قتادة عنه أنه قال: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم بعشر سنين. وروى معمر عن هشام عن حفصة عنه أنه قال: قرأت القرآن على عهد عمر ثلاث مرات. وقال فيه ابن أبى داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبى العالية.
وتُروى عن أُبَىّ بن كعب نسخة كبيرة فى التفسير، يرويها أبو جعفر الرازى، عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية، عن أُبَىّ. وقلنا فيما تقدم: إن هذا الإسناد صحيح، وقلنا أيضاً: إن ابن جرير وابن أبى حاتم أخرجا من هذه النسخة كثيراً، كما أخرج منها الحاكم فى مستدركه، والإمام أحمد فى مسنده. وكانت وفاته سنة 90 هـ (تسعين من الهجرة) على أرجح الأقوال فى ذلك.
* * *
ثم قال:
ثالثاً: مدرسة التفسير بالعراق
* قيامها على ابن مسعود:
قامت مدرسة التفسير بالعراق على عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، وكان هناك غيره من الصحابة أخذ عنهم أهل العراق التفسير، غير أن عبد الله ابن مسعود كان يعتبر الأستاذ الأول لهذه المدرسة، نظراً لشهرته فى التفسير وكثرة المروى عنه فى ذلك، ولأن عمر رضى الله عنه لما وَلَّى عمار بن ياسر على الكوفة، سيَّر معه عبد الله بن مسعود مُعلِّماً ووزيراً، فكونه مُعلِّم أهل الكوفة بأمر أمير المؤمنين عمر، جعل الكوفيين يجلسون إليه، ويأخذون عنه أكثر مما يأخذون عن غيره من الصحابة.
¥