تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عن جرير بن عبد الله، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "من يتزود في الدنيا يَنْفَعه في الآخرة.قال الهيثمي في المجمع "رجاله رجال الصحيح".

فتأمل! كيف يلفت القرآن نظر المتزود لسفر الدنيا إلى الزاد الحقيقي لسفر الآخره ويحثه على التزود بالتقوى ليخلط روحه وحسه بزاد الآخرة فلا يُفارق خاطره وهاجسه , ولا يَكسل في التزود منه , ولا يتوانى ولايضعف , وإلا فالهلاك مصيره ..

4/ السفر:

شبيهًا بالمثال السابق .. فحينما يركب المسافر دابته ويستوي عليها يُشرع له ذكر دعاء ركوب الدابة (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) وبصدد ذكر السفر في هذه الدنيا .. ذكّر الله بالسفر الحقيقي منها إلى دار الآخرة فقال (وإنا إلى ربنا منقلبون) أي: لمنصرفون في المعاد ..

قال الألوسي في روح المعاني: "وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من السير ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى فيبني أموره في مسيره ذلك على تلك الملاحظة ولا يأتي بما ينافيها، ومن ضرورة ذلك أن يكون ركوبه لأمر مشروع، وفيه إشارة إلى أن الركوب مخطرة فلا ينبغي أن يغفل فيه عن تذكر الآخرة ".

وقال سيد قطب في الظلال" هذا هو الأدب الواجب في حق المنعم، يوجهنا الله إليه، لنذكره كما استمتعنا بنعمة من نعمه التي تغمرنا، والتي نتقلب بين أعطافها ثم ننساه .. !

والأدب الإسلامي في هذا وثيق الصلة بتربية القلب وإحياء الضمير , فليس هو مجرد طقوس تزاول عند الاستواء على ظهور الفلك والأنَعام، ولا مجرد عبارات يتلوها اللسان! إنما هو استحياء للمشاعر لتحس بحقيقة الله، وحقيقة الصلة بينه وبين عباده؛ وتشعر بيده في كل ما يحيط بالناس، وكل ما يستمتعون به مما سخره الله لهم، وهو محض الفضل والإنعام، بلا مقابل منهم، فما هم بقادرين على شىء يقابلون به فضل الله. ثم لتبقى قلوبهم على وجل من لقائه في النهاية لتقديم الحساب. . وكل هذه المشاعر كفيلة باستبقاء القلب البشري في حالة يقظة شاعرة حساسة لا تغفل عن مراقبة الله , ولا تجمد ولا تتبلد بالركود والغفلة والنسيان".

فتأمل هنا! كيف يلفت القرآن نظر المسافر في الدنيا إلى السفر الحقيقي للآخره ويحثه على تذكره ليختلط بروحه وحسه .. فلا يُفارق خاطره وهاجسه , ولا يغفل عن السفر للآخرة طرفة عين ..

5/ تسخير الدواب للركوب:

حينما ذَكَر الله في سورة النحل نعمته علينا بتسخير الدواب _من الأنعام ونحوها- للركوب والزينة فقال: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة .. ) ناسب مع ذكر تسخيرها لنا لنقطع بها الطريق ونسير بها لقضاء حوائجنا أن يذكّر بطريق الآخرة والنجاة الذي يسلُك بالمرء إلى الجنة وهو طريق الحق والإسلام فقال: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ... ) قال ابن عباس: وعلى الله البيان، أي: تبين الهدى والضلال.

قال ابن كثير:"لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية، نبه على الطرق المعنوية الدينية، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية ... ولما ذكر في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها، التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة - شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه، فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه، فقال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} كما قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} ".

قال سيد قطب: "وفي معرض النقل والحمل والركوب والسير لبلوغ غايات محسوسة في عالم الأرض، يدخل السياق غايات معنوية وسيرا معنوياً وطرقا معنوية , فثمة الطريق إلى الله .. وهو طريق قاصد مستقيم لا يلتوي ولا يتجاوز الغاية , وثمة طرق أخرى لا توصل ولا تهدي, فأما الطريق إلى الله فقد كتب على نفسه كشفها وبيانها: بآياته في الكون وبرسله إلى الناس ... وعلى الله قصد السبيل ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير