-وما قيمة البحوث إن لم تنزل من رفوفها ولم تخضع للاطلاع والنظر والاستفادة؟. حتى لا يحصل التكرار بالبحث في المبحوث فيه والحرث في الأرض المحروثة، وترك الموات من البحوث، فيضيع بذلك الجهد والوقت والمال، وما أعز ذلك وأنفسه في ديننا وأهونه في نفوس المسلمين مع الأسف الشديد.
-إن الأمة تملك كنوزا عز نظيرها، كنوزا بشرية لم تعرف بعد أين تسير، ولا كيف المسير؟، وكنوزا تراثية مغيبة في غياهب الرفوف، نعم؛ إن مفاتيح هذه الكنوز ثقيلة، وينوء بحملها الأفراد، ولكن إذا عرفت الكنوز الأولى طريقها وشحذت هممها وصححت قصدها، خف كل ثقيل، وهان كل عسير، فأول الغيث قطر ثم ينهمر، وإن المسلم الغيور لأول الغيث منتظر ولعله قد بدأ ينزل.
ثالثا: خطوات ضرورية للوصول إلى حسن قراءة النص الأثري التفسيري:
-تتمثل الخطوة الأولى للوصول إلى النص الأثري التفسيري، في معرفة الموجود من هذا التفسير، والحصول عليه، ثم معرفة المظان التي توجد بها المادة التفسيرية التي ستجمع منها المادة، التي ما زالت مشتتة لبعض أعلام التفسير، وتأمين هذه المظان أمر في منتهى الضرورة، وهو الاعتبار الحاسم لتمهيد السبيل إلى النتائج المرجوة، كما أن تنويع مصادر البحث بتنوع العلوم الشرعية والثقافة الاسلامية هو وحده الكفيل في هذه الحقبة من الزمن على الأقل بإعطاء صورة حقيقية عن النصوص القديمة، وعن أماكن وجودها، لتسهل بعد ذلك دراستها والاستفادة منها. وهو ما أسماه الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي [109] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn109) بمجال النص التراثي أولا، لأنه مجلى الذات وخزان الممتلكات. [110] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn110).
- وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة تحصيل الموجود، الذي يعتبر بدوره من المجموع المشتت في الجامعات العربية والاسلامية، ثم مرحلة الجمع التي تعد بدورها من أخطر مراحل مثل هذا العمل ..
-أما الخطوة الثالثة، فهي قراءة هذه النصوص، قراءة مشروطة بضوابط أساسية أوجزها فيما يلي:
*-أن تتم قراءة هذه النصوص من طرفنا نحن المسلمين، أي بأعيننا ووحينا دون مسبقات، لا أن يقرأها لنا غيرنا، نصوصنا الشرعية نصوص عربية، وبدون آليات اللغة العربية لا يمكن لأحد أن يتجرأ على النص العربي، وإن فعل ضل الطريق وأساء الفهم، وأخطأ النتيجة.
بل أكثر من ذلك لقد أثبت التاريخ أن قراء كثيرين اقتحموا تراثنا بغية فهمه وقراءته، ولكنهم ضلوا الطريق وأخطأوا النتيجة، لأنهم قرأوا نصوصا ليست منهم ولا هم منها، ومن الطبعي أن من اقتحم نصا يرغب في قراءته، لكن أثناء السير قدم مسبقات قبل الفهم وقبل القراءة، فالنتيجة ستكون سلبية، لأنها مبنية على خلفيات ومسبقات، لهذا يجب على الأمة أن لا تسمح لأحد بأن يقرأ نصوصها، وإن سمح له فليكن تحت مراقبتها وتحت أعينها ووحيها.
ولابد من مواجهة النص وجها لوجه، والاستعداد بما يلزم لمواجهة مقامه ومقاله. وهو ما يعبر عنه بمجال المنهج، أو دراسة النص مقاما ومقالا، لأنه الهادي إلى استنباط الهدى اللازم للحضور والشهود الحضاري، مما لا حاجة الى اقتراض الأمة له من خارج الذات ..
فمواجهة النص وجها لوجه، تقتضي التسلح بما يسمح بالمواجهة، إذ فاقد الشيء لا يعطيه، والهروب من النصوص لا يعني إلا شيئا واحدا هو قلة الفهم. والتسلح المطلوب هو حسن الفهم لحسن المواجهة.
*-أن تكون القراءة غير محركة بهوى، أي أن يكون الباعث إليها القراءة والاجتهاد، ونقرأ النص وندخل إليه ونحن لا نريد ولا نبتغي نتيجة معينة، إذ الهوى هوان سرقت نونه كما قال ابن المقفع [111] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn111)، ونحن أثناء القراءة لا نريد الوقوع في الهوان، ولا أن نضل باتباع الهوى الذي حذر منه الحق سبحانه في قوله: " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ". [112] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn112). وكل هوى غير هوى الحق مرفوض وغير مقبول، والرسول يقول: " لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعا لما جئتكم به ". [113] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn113).
¥