، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ الله، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْماً سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُول:" إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ ". [11] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11)
ومما تعلمناه من شريعة ربنا، أن الله ما خلق داء إلا وخلق له دواء، ولعله من المؤكد أن الخلاف من أكبر الأدواء، وأن دواءه موجود بتقرير النص الحديثي الذي يقول فيه رسول الله صل1:" ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " [12] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn12) .
فإن لم يفد الدواء في القضاء على الخلاف فبالتأكيد أنه سيخفف من آلامه وينقص من طغيانه، ولن يكون ذلك إلا بالإرادة المبنية على العلم والتعلم وإحسان القصد والنية، ليصل الفرد الى المبتغى، وهو أن الاختلاف أمر طبعي ولكن التراحم أثناءه وبعده أمر ضروري. وهو ما فهمه السلف الصالح عند تأويل قوله تعالى:" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود/118) .. قال عطاء ومقاتل ويمان:" أي للاختلاف خلقهم " وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك:" ولرحمته خلقهم " [13] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn13).
فمطلوب من الأمة أن تتراحم أثناء الاختلاف، وتسعى الى التقليل منه ما أمكنها من جهد وليس من سبيل الى ذلك الا بالرجوع الى الحل الذي قدمه المصطفى صل1 لأمته في قوله:" ... فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجد وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة .. ". [14] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn14)
وبالتأكيد أن الاعتصام بحبل الله المنصوص عليه في الآية " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، والتمسك بالمنصوص عليه في هذه الأحاديث ليعد من الأمور المفيدة والمعينة على التقليل من الخلاف والاختلاف، والميسرة للوصول الى وحدة هذه الأمة المشتتة والممزقة.
يقول ابن تيمية رح1: "ولا يجوز التفرق بذلك بين الأمة، ولا أن يعطى المستحب فوق حقه، فإنه قد يكون من أتى بغير ذلك المستحب من أمور أخرى واجبة أو مستحبة أفضل بكثير، ولا يجوز أن تجعل المستحبات بمنزلة الواجبات بحيث يمتنع الرجل من تركها ويرى أنه قد خرج من دينه أو عصى الله ورسوله، بل يكون ترك المستحبات لمعارض راجح أفضل من فعلها، بل الواجبات كذلك، ومعلوم أن ائتلاف قلوب الأمة أعظم في الدين من بعض المستحبات، فلو تركها المرء لائتلاف القلوب كان ذلك حسنا وذلك أفضل إذا كان مصلحة ائتلاف القلوب دون مصلحة ذلك المستحب .. ". [15] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn15).
وقد أخرج الشيخان عن عائشة رض11 أن النبي صل1 قال لها: " لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال بكفر) لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر ".
وفي رواية: " لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين باب شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة " [16] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn16).
ومما اطلعت عليه من نصوص تؤكد حقيقة الاختلاف في واقع المسلمين وتبرره بحجج منطقية رائعة، نص حوار المأمون الخليفة العباسي مع أحد المرتدين.
-قال المأمون لمرتد الى النصرانية، أخبرنا عن الشيء الذي أوحشك من ديننا بعد أنسك به، واستيحاشك مما كنت عليه، فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، وإن أخطأ بك الشفاء ونبا عن دائك الدواء كنت قد أعذرت ولم ترجع عن نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة وترجع أنت في نفسك بالاستبصار والثقة وتعلم أنك لم تقصر في اجتهاد ولم تفرط في الدخول من باب الحزم.
¥