تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول الإمام القرطبي في تفسيره لآية الهمّ: اختلف العلماء في همه، ولا خلاف أن همها كان المعصية، وأما يوسف فهم بها، ولكن لما رأى البرهان ما هم، وهذا لوجوب العصمة للأنبياء، قال الله تعالى: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" يوسف/ 24، فإذا في الكلام تقديم وتأخير، أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها. قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: "ولقد همت به وهم بها" الآية، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وقال أحمد بن يحيى: أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به، فبين الهمتين فرق، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه.

فهذا كله حديث نفس من غير عزم. وقيل: هم بها تمنى زوجيتها. وقيل: هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه، والبرهان كفه عن الضرب، إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها. (2)

ثم يقول القرطبي: وقيل: إن هم يوسف كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكره القشيري أبو نصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم، قال ابن عباس: حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: استلقت، على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جبير: أطلق تكة سراويله. وقال مجاهد: حل السراويل حتى بلغ الأليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال: " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: "وما أبرئ نفسي". (3)

n توبة المذنبين

وقال ابن عطية: روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف، وقالوا: الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى، عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك، وهي قد استلقت له.

وقال القشيري أبو نصر: وقال قوم جرى من يوسف هم، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل؛ وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد، وتناول الطعام اللذيذ، فإذا لم يأكل ولم يشرب، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس، والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما. (4)

nجواز الهم دون الفعل

ثم يقول القرطبي: وهذا قول حسن، وممن قال به ابن عطية حيث يقول: الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح، ولو تظاهرت به رواية؛ وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة؛ وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه؛ لأن العصمة مع النبوة.

وقوله تعالى: "وأوحينا إليه" يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه، وهو قول جماعة من العلماء؛ وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه؛ ويكون قوله: "وما أبرئ نفسي" - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف، لمخالفة النفس. (5)

ــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير ابن كثير – المجلد الثاني – تفسير سورة يوسف – مكتبة دار التراث – القاهرة – بدون تاريخ

(2) تفسير القرطبي - تفسير سورة يوسف – موسوعة القرآن الكريم الإلكترونية – شركة الحادي للتكنولوجيا – القاهرة 2001م.

(3) المرجع السابق

(4) المرجع السابق

(5) المرجع السابق

ـ[أحمد محمود أبو زيد]ــــــــ[28 Aug 2010, 04:14 ص]ـ

nشبهات مردودة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير