"وحَلَلْتُ: نَزلْتُ مِن حَلِّ الأَحْمالِ عندَ النزول ثم جُرِّد استعمالُه للنُّزولِ فقِيل: حَلَّ حُلُولاً: نَزَل."
وفي التنزيل استخدم "أنزل" و"أحلّ" ولكل واحدة منها دلالتها الخاصة، قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) إبراهيم (28)
قال بن عادل في تفسيره " اللباب":
«أحَلُّوا» أنزلوا: «قَوْمهُمْ» من على كفرهم: «دَارَ البَوارِ» الهلاك.
وقال بن عاشور:
"والإحلال بها الإنزال فيها".
وقال تعالى:
"وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ"
قال الجوهري في الصحاح:
"وأمَّا قوله تعالى: " أو تَحُلُّ قريباً من دارِهِم " فبالضم، أي تنزِل."
وقال تعالى:
(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) طه (81)
قال الجوهري في الصحاح:
"وحَلَّ العذابُ يَحِلُّ بالكسر، أي وَجب ويَحُلّ بالضم، أي نزل. وقرئ بهما قوله تعالى: " فَيَحِلُّ عليكم غَضَبي ". وأمَّا قوله تعالى: " أو تَحُلُّ قريباً من دارِهِم " فبالضم، أي تنزِل."
وهنا نلاحظ أن الحلول في الآيات الكريمة قد فسرت بالنزول، بينما لو نظرنا في الأمثلة التي ساقها الدكتور وفسر النزول فيها بالحلول:
" ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) [الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم.
ويقول عز وجل: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) [هود: 12] أي هلّا حلّ لديه وفي ملكه كنز .. ومثله قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً) [الأعراف 26]."
أقول:
لم أجد في كلام المفسرين من فسر النزول بالحلول، بل إن أكثرهم لم يتعرض لمعنى الإنزال لوضوحه، إلا ما ذكره بن كثير عن بن عباس في تفسير آية سورة الفتح حيث قال:
" {هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ} أي: جعل الطمأنينة. قاله ابن عباس"
ولو تأملنا الآيات التي أوردها الدكتور مرة أخرى لرأينا أنه فسر النزول في الآيات بمعنى لا يصح.
الآية الأولى:
" ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) [الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم.
وهذا المعنى الذي ذكره الدكتور لا يلغى المعنى الحقيقي للفظة " أنزل" الدالة على المجيء من العلو، وإذا تأملنا الأمر المنزل " السكينة" وجدنا أنها أمر معنوي وحسي مصدره إلهي قادم من العلو، ففي الصحيحين من حديث البراء بن عازب قال:
"كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ."
وفي الحديث الآخر:
"عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ وَسَكَتَتْ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ وَتَدْرِي مَا ذَاكَ قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ"
قال بن بطال رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح البخاري:
¥