الصرفة في اصطلاح المتكلمين:
يمكننا تعريف نظرية الصرفة في اصطلاح المتكلمين والمختصين بقولنا هي صرف العرب عن إجابة التحدي الرباني والإتيان بمثل القرآن الكريم رغم قدرتهم على ذلك.
حقيقة الصرفة:
إنّ نظرية الصرفة تقابل عند المتكلمين وعلماء الإسلام نظرية القول بإعجاز القرآن في ذاته أو ما يسميه البعض الإعجاز بالنظم , فإذا كان جمهور المسلمين يرون أنّ القرآن من حيث بلاغته وبداعة سبكه وروعة نظمه وجمال أسلوبه وصل درجة الكمال والإعجاز وبالتالي تقصر القدرة البشرية وتعجز عن الإتيان بمثله سواء في زمن الوحي والنبوة يوم وقع التحدي أوّل مرة أو قبله أو بعده على حدّ سواء ...
بينما نظرية الصرفة على خلاف مذهب الجمهور قائمة على ثلاثة أسس:
? أولا: الاعتراف بفصاحة القرآن وبلاغته ولكن ليس إلى حدّ الكمال والإعجاز ...
? ثانيا: إمكانية الإتيان بمثله فإنّ ذلك في طوق بلغاء العرب وقدرتهم ...
? ثالثا: إنّ إعجاز القرآن يكمن في الحيلولة دون معارضته رغم إمكانية ذلك ...
يقول الإمام الزركشي (794هـ) مبيّنا وشارحا قول النظّام:"إنّ الله صرف العرب عن معارضته , وسلب عقولهم , وكان مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات."
ويقول الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني (1360هـ 1948م):"ومن الباحثين من طوّعت له نفسه أن يذهب إلى القول بأن وجه إعجاز القرآن هو الصرفة؛ أي صرف الله العرب عن معارضته على حين أنه لم يتجاوز في بلاغته مستوى طاقتهم البشرية وضربوا لذلك مثلا فقالوا: إنّ الإنسان كثيرا ما يترك عملا هو من جنس أفعاله الاختيارية ومما يقع مثله في دائرة كسبه وقدرته , إما لأنّ البواعث على هذا العمل لم تتوافر , وإما لأنّ الكسل أو الصدود أصابه فأقعد همته وثبط عزيمته وإما لأنّ حدثا مفاجئا لا قِبَلَ له به قد اعترضه فعطّل آلاته ووسائله وعاق قدرته قهراً عنه , على رغم انبعاث همته نحوه وتوجه إرادته إليه. فكذلك انصراف العرب عن معارضتهم للقرآن ... "
قال أبو سليمان حمد بن محمد إبراهيم الخطابي (388هـ): "وذهب قوم إلى أنّ العلة في إعجازه الصرفة أي صرف الهمم عن المعارضة , وإن كانت مقدورا عليها و غير معجوز عنها , إلاّ أنّ العائق من حيث كان أمرا خارجا عن مجاري العادات , صار كسائر المعجزات فقالوا: ولو كان الله عزّ وجلّ بعث نبيا في زمان النبوات , وجعل معجزته في تحريك يده أو مدّ رجله في وقت قعوده بين ظهراني قومه , ثم قيل له ما آيتك فقال أن أخرج يدي أو أمدّ رجلي ولا يمكن أحدا منكم أن يفعل مثل فعلي , والقوم أصحاء الأبدان , لا آفة بشيء من جوارحهم , فحرّك يده أو مدّ رجله فراموا أن يفعلوا مثل فعله فلم يقدروا عليه و كان ذلك آية دالّة على صدقه. وليس ينظر في المعجزة إلى عظم حجم ما يأتي به النبي , ولا إلى فخامة منظره , وإنما تعتبر صحتها خارجا عن مجرى العادات ناقضا لها و فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالّة على صدق من جاء بها وهذا أيضا وجه قريب"
أوجه الصرفة الواقعة على المتحدين:
لا تخرج جميع أوجه الصرف التي تحدث عنها القائلون بها أو مثلوا لها عن ثلاثة أوجه:
? الأولى: صرف دواعيهم وهممهم عن القيام بالمعارضة يقول الرّماني مبيّنا هذا الوجه من الصرفة: (أمّا الصَّرْفة فهي صرف الهمم عن المعارضة، وعلى ذلك كان يعتمد بعض أَهل العلم في أنّ القرآن معجز من جهة صرف الهمم عن المعارضة، وذلك خارج عن العادة، كخروج سائر المعجزات الّتي دلّت على النبوة، وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز الّتي يظهر منها للعقول ... )
? الثانية: سلبهم علوم وأدوات المعارضة وفي هذا يقول السيد المرتضى من الشيعة الإمامية: "إنّ تعالى سلب العرب العلوم الّتي كانت تتأتّى منهم بها الفصاحة الّتي هي مثل القرآن متى راموا المعارضة، ولو لم يسلبهم ذلك لكان يتأتى منهم ... " ويقول ابن سنان الخفاجي وهو شيعي كذلك: (إذا عدنا إلى التحقيق وجدنا إعجاز القرآن: صرف العرب عن معارضته، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة، وقت مرامهم ذلك ... ) قال الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي (447 هـ): "معنى الصرف هو نفي العلوم بأضدادها أو قطع إيجادها في حال تعاطي المعارضة الّتي لولا انتفاؤها لصحّت المعارضة، وهذا الضرب مختصّ بالفصاحة والنّظم معاً، لأنّ التحدي واقع
¥