بهما، وعن الجمع بينهما كان الصرَّف)
? الثالثة: توفر الدواعي والهمم والعلوم ولكن " لم يمنعهم إلاّ إلجاؤه تعالى فتقهقروا في حلبة المعارضة لغلبة القوة الإلهية على قواهم " وعلى هذا الوجه يحمل كلام العديد من القائلين بصرفة العرب عن معارضة القرآن رغم توفر الدواعي الباعثة والعلوم المساعدة ومنهم الراغب الأصفهاني في جامع التفسير: (فلما رئي أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة ألسنتهم، وقد دعا الله جماعتهم إلى معارضة القرآن، وعجزهم عن الإتيان بمثله، وليس تهتز غرائزهم ألبتة للتصدي لمعارضته، لم يخف على ذي لب أن صارفا إلهيا يصرفهم عن ذلك، وأي إعجاز أعظم من أن تكون كافة البلغاء مخيرة في الظاهر أن يعارضوه، ومجبرة في الباطن عن ذلك، وما أليقهم بإنشاد أبي تمام:
فإن نك أهملنا فأضعف بسعينا وإن نك أجبرنا ففيم نتعتع.
والله ولي التوفيق والعصمة.) ويقول الفخر الرازي في مفتاح العلوم: (الطريق الثاني، أن نقول: القرآن لا يخلو إما أن يقال: إنه كان بالغا في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك، فإن كان الأول: ثبت أنه معجز، وإن كان الثاني: كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة، فعدم إتيانهم بالمعارضة، مع كون المعارضة ممكنة، ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها، أمر خارق للعادة، فكان ذلك معجزا، فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه، وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب)
وحقيقة هذه الأوجه الثلاثة أنّ الأولى متوجهة للهمم والدواعي فكأنها لم تتخطى مخيلة وأفكار المتحدين بينما هي في الثانية متوجهة لآليات هذا التحدي وأدواته أما في الثالثة فهي متعلقة بعوارض منفصلة تحول دون الوصول إلى التحدي
الصرفة النظّامية:
نظرة النظّام للقرآن أنه كتاب عادي كسائر الكتب السماوية أنزل لبيان الحلال والحرام لا غير وأنّ كلّ ما فيه من الإعجاز منحصر في أخبار الغيب أما من حيث نظمه فلا إعجاز فيه ومثله في كلام العرب كثير بل العرب قادرة على الإتيان بما هو أفضل وأرقى منه
فمن أقوال النظام التي تنص صراحة على هذا المعتقد قوله: (الآية والأُعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأمّا التأليف والنَّظم، فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أنّ الله منعهم بمنع وعجز أَحدثهما فيهم ... ) ويقول أيضا: ( ... وإنّه من حيث الإخبار عن الأُمور الماضية ومنع العرب عن الإهتمام به جبراً وتعجيزاً، حتى لو خلاّهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله، بلاغةً وفصاحةً ونظماً ... )
يقول أبو منصور عبد القاهر الجرجاني مبيّنا معتقد النظّام في القرآن من حيث إعجازه: (والفضيحة الخامسة عشرة من فضائحه - أي النظام -: أن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته، ليست بمعجزة للنبي – عليه الصلاة والسلام - ولا دالة على صدقه في دعواه النبوة، وإنما وجه الدلالة منه على صدقه، ما فيه من الإخبار بالغيوب، فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته، فإن العباد قادرون على مثله، وعلى ما هو أحسن منه في النظم، والتأليف)
ولعل أكبر دليل على أنّ النظّام لم يكن يرى للقرآن في باب البلاغة والفصاحة أدنى فضل على كلام العرب وأنّه أبدا ما بلغ حدّ الإعجاز كما كان سائدا قبله بل ومجمع عليه قبل ظهور مقالته الفاسدة كلام تلميذه الجاحظ (255هـ) وهو أقرب الناس إليه وأعرفهم بمقالاته ... حيث يقول مخاطبا ابن أبي داؤد (240هـ) في (حجج النبوة): (فكتبت لك كتابا أجهدت فيه نفسي، وبلغت أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على الطعان، فلم أدع فيه مسألة لرافضي، ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظام، ولمن نجم بعد النظام، ممن يزعم أن القرآن حق، وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة.) ويقول الفخر الرازي (606هـ): (قال النظام: إن الله تعالى ما أنزل القرآن ليؤيد به النبوة، بل هو كتاب مثل سائر الكتب المنزلة، لبيان الأحكام من الحلال والحرام، وإنما لم يعارضه العرب، لأن الله صرفهم عن ذلك وسلب دواعيهم عن الاعتراض)
فخلاصة الصرفة عند النظام وأسسها ما يلي:
1. الوجه الأوّل لإعجاز القرآن هو ما حواه من الأخبار الغيبية
¥