2. الوجه الثاني لإعجاز القرآن ــ وهو الأهمّ ــ يكمن في صرف الله تعالى العرب عن معرضة القرآن والإتيان بمثله
3. القرآن ليس بمعجز من حيث نظمه
4. قدرة العرب على معارضة القرآن الكريم والإتيان بمثله وبما هو أفضل منه
أصل نظرية الصرفة ومصدرها:
1) الأصل الهندي لنظرية الصرفة:
إنّ للهنود كتابا دينيا وثنيا يسمونه " الفيدا" وهو عبارة عن مجموعة شعرية لإلههم "براهما" يدّعون لها الإعجاز وعدم قدرتهم على الإتيان بمثلها لا من جهة محتواها أو بلاغتها ولكن لأنّ براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها
يقول البيروني (430 هـ) في كتابه (ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة):"إنّ خاصتهم يقولون إنّ في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها ... "
قال د. أحمد العمري معلقا على قول البيروني: " ولم يبين البيروني وجه , أهو منع تكليفي يسبقه الإيمان بهذه الكتب وتكون دلائل وجوب الإيمان من نواح أخرى , أم هو منع تكويني بمعنى أنّ براهما صرفهم بمقتضى التكوين عن أن يأتوا بمثلها والأخير هو الظاهر لأنه الذي يتفق مع قول جمهور علمائهم وما اشتهروا من أنّ القول بالصرفة نبع في واديهم "
وممّا يؤكد ويؤيد أنّ أصل نظرية الصرفة هندي دخيل على أمّة الإسلام أمور أهمّها ما يلي:
? رواج الفلسفة والعقائد اليونانية والهندية في البيئة التي ظهرت فيها نظرية الصرفة: لقد كان لانتشار الفلسفات الأجنبية الوافدة على الأمة وافتتان الفرق الإسلامية بها فتلقفتها وتتبعتها محاولة ـ زعما ـ خدمة الدين بمثل هذه الأقوال الغريبة أو عرضها على مبادئ الإسلام وأصوله فيبطلون ويردون ما يتعارض مع هذه الأصول ويثبتون ويتبنون ما ناسبها ووافقها بحسب فهمهم وإدراكهم لهذه الأصول. وممّا يدللّ على أنّ سوق الفلسفة كان نافقا راجحا والاشتغال بها مربحا ما ورد في كتاب البخلاء للجاحظ وهو من تلامذة النظام ومعاصريه قال الجاحظ: " إنّ طبيبا عربيا مسلما يدعى أسد بن حاني كسدت حاله مرة , فقال له قائل: السَنةُ وَبيئة ٌ ـ أي كثيرة الأوبئة ـ والأمراض فاشية , وأنت عالم , ولك صبر وخدمة , ولك بيان ومعرفة , فمن أين أتاك الكساد؟ قال: أما واحدة فإني عندهم مسلم , وقد اعتقد القوم قبل أن أتطبب , بل قبل أن أخلق أن المسلمين لا يفلحون في الطبّ , واسمي أسد , وكان ينبغي أن يكون اسمي: صليبا أو يوحنا , وكنيتي أبو الحارث , وكان ينبغي أن تكون: أبو عيسى , أو أبو زكريا , أو أبو إبراهيم , وعليَّ رداء قطن أبيض وكان ينبغي أن يكون علي رداء حرير أسود , ولفظي عربي وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل ـ جند نيسابور ـ " بدأت هذه الأفكار تلج بلاد الإسلام في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور (156هـ) لما قرّب إليه بعض الأطباء النصارى وعهد إلى بعض حكماء بني إسرائيل بترجمة شيئا من الكتب القديمة ثم ما زالت هذه الظاهرة تزيد وتتفاقم حتى بلغت أشدّها وأوجّها في زمن الرشيد (193هـ) وابنيه الأمين (198هـ) والمأمون (218هـ) وكانت البصرة على وجه الخصوص تعجّ بحكمة الهند وأشعارها وآدابها وفلسفاتها وعقائدها ... فمنها أخذ الإعجام وعلم الضبط وترجمت الكثير من أعمالهم الأدبية كما تبنت العديد من الفرق الإسلامية مبادئ وأفكارا هندية خالصة كإخوان الصفة وغيرهم ....
? علاقة النظّام بالفرق الهندية والمذاهب الفلسفية: فقد ذكروا أنّ النظّام كان في شبابه على علاقة وطيدة ببعض الفرق الهندية كالسمنية وهي فرقة بوذية ترى بقدم العالم وتناسخ الأرواح والثنوية؛ فرقة ترى بأزلية الظلمة والنور وخالط الفلاسفة ودوّن مذاهبهم وشبههم بل لقد رماه غير واحد من أصحابه والعارفين به أنه فُتِنَ بمذهب البراهمية وأنه كان يقول به ويبطنه دون الإسلام ذكر القاضي عبد الجبار أنّ جعفر البرمكي ذكر أرسططاليس , فقال النظام: قد نقضت عليه مقالته فقال جعفر: كيف وأنت لا تحسن أن تقرأه؟ فقال: أيّهما أحب إليك أن أقرأه من أوّله أم من آخره؟ ثم اندفع يقرأ شيئا فشيئا وينقض عليه [ابن المرتضى ص29] وقد ذكر ابن نباتة أنّ العلة فيما انتهى إليه النظام من مذاهب استُبشعت منه أنّه اطّلع على كتب الفلاسفة ومال في كلامه إلى الطبعيين منهم والإلهيين وأنه استنبط من كتبهم مسائل خلطها بكلام المعتزلة
¥