وللتمثيل لهذا المنهج في غير نظرية الصرفة نعرج على ثاني أشهر أقوال النظام ونظرياته وهو القول بالطفرة فإنّه كان ابتداء ينكر الجزء الذي لا يتجزأ وهو مجرد رأي وتخمين وظنّ [بل هو مخالف للقطعي المشاهد المحسوس] لكنه جعله أصلا لا يُعارض بشيء وكلّ ما خالفه لا بدّ أن يؤوّل أو يردّ ... فلما أقحم بأدلة تردّ هذا الذي زعمه صوابا وجعله أصلا أجاب بما هو أقبح وأخطر وأفظع أجاب بنظرية الطفرة ....
4. افتتانه بفصاحة العرب وبلاغتهم هي أصل القول بالصرفة:
إنّ العرب بلغوا في صناعة الكلام وحسن صياغته وسبكه الشأن العظيم الذي لم يبلغه أحدٌ من البشر ولقد كان النظّام على علم واسع بذلك وعلى دراية كبيرة بدقائق بلاغة العرب ونكت فصاحتهم وتفصيلاتها ... فهو الشاعر البارع والخطيب المفوّه ...
يصفه الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي بقوله:"وله شعر كثير يدور في كتب التراجم وهو مطبوع بطوابع المتكلمين والمعتزلة منهم خاصة إذ نراه يمزجه باصطلاحاتهم نافذا إلى أغوار المعاني متصرفا فيها تصرف الحاذق الفطن وملائما بينها إلى أبعد حدود الملاءمة يعينه في ذلك حسٌ دقيق مرهف وشعور رقيق حادّ ... "
فلعل افتتانه ببلاغة العرب جعلته يحسبهم قادرين على مصل القرآن الكريم وإلى هذا الأصل يشير بعض الدارسين بقوله: " ... فإنّ القول بالصرفة نجم من الإغترار بما روي من رشيق الكلمات , وبليغ العبارات عن العرب فزعم هؤلاء أنّ كلّ من قدر على تلك الأساليب البلاغية يقدر على المعارضة , إلاّ أنه سبحانه عرقلهم عنها وثبّطهم فيها .... " اهـ
القائلون بالصرفة غير النظّام:
ليس القول بالصرفة مقصورا على النظّام كما يظنه البعض بل لقد سلك هذا الطريق كثير من علماء الإسلام سواء من فرقة المعتزلة أو من غيرهم
المعتزلة:
? عيسى بن صبح المكنى بأبي موسى المردار 226هـ كان معروفا بالناسك أخذ الاعتزال عن بشر بن المعتمر تولى رئاسة المعتزلة ببغداد وهو القائل "الناس قادرون على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وبما هو أفصح منه "
? عباد بن سليمان الصخري: معتزلي من أهل البصرة من تلامذة هشام بن عمرو القوطي
? القاضي هشام بن عمرو القوطي بصري عدّه القاضي في نهاية الطبقة السادسة من المعتزلة كان يحظى باحترام المأمون
? أبو إسحاق النصيبي من الطبقة الحادية عشرة من المعتزلة وكان يشك في النبوات كلّها
? الجاحظ
? الرماني
? القاضي عبد الجبار .... وسيأتي الحديث عن هؤلاء الثلاثة وعن مذهبهم في الصرفة مفصلا إن شاء الله
من غير المعتزلة (الأشاعرة): وجلّهم إنّما يقبل بنظرية الصرفة إماّ كوجه ثانوي من أوجه الإعجاز فهو عندهم تابع للوجه الأوّل والأهمّ وهو إعجاز القرآن بنظمه وذاته وإمّا يقولون بها من باب المجادلة والمنافحة عن الحق لا غير
? ينسب إلى أبي الحسن الشعري يقول الشهرستاني: محمد بن عبد الكريم (ت548هـ) أثناء حديثه عن أبي الحسن الأشعري: - (والقرآن عنده معجز من حيث البلاغة، والنظم، والفصاحة، إذ خير العرب بين السيف وبين المعارضة، فاختاروا أشد القسمين اختيار عجز عن المقابلة، ومن أصحابه من اعتقد أن الإعجاز في القرآن من جهة صرف الدواعي، وهو المنع من المعتاد) وقال الشيخ السفاريني: محمد بن أحمد (1189هـ): - (وفي شفاء أبي الفضل القاضي عياض بعض ميل للقول بالصرفة، فإنه قال: وذهب الشيخ أبو الحسن (الأشعري –) إلى أنه مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر، ويقدرهم الله عليه، ولكنه لم يكن هذا، ولا يكون، فمنعهم الله هذا، وعجزهم عنه.)
? الفخر الرازي (606هـ) أطلق القول بالصرفة في بعض مواضع تفسيره كقوله عند تعرضه لآية التحدي في سورة البقرة: (الطريق الثاني، أن نقول: القرآن لا يخلو إما أن يقال: إنه كان بالغا في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك، فإن كان الأول: ثبت أنه معجز، وإن كان الثاني: كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة، فعدم إتيانهم بالمعارضة، مع كون المعارضة ممكنة، ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها، أمر خارق للعادة، فكان ذلك معجزا، فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه، وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب) وفي مواضع أخرى قيدها بالسور القصار حيث يقول (فإن قيل: قوله (فأتوا بسورة من مثله) يتناول سورة الكوثر، وسورة العصر، وسورة (قل يا
¥