تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: قد سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.) وقصة إسلام عمر والطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنهما وتأثر خالد وعمرو بن العاص بالقرآن الكريم كلّ ذلك معروف مشهور في كتب السيرة يقول يحيى بن حمزة العلوي (749هـ): (لو كان الوجه في إعجازه هو الصرفة - كما زعموه -، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن، فلما ظهر منهم التعجب لبلاغته، وحسن فصاحته - كما أثر عن الوليد بن المغيرة - حيث قال: إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمعذق، وإن له لطلاوة، وإن عليه لحلاوة، فإن من المعلوم من حال كل بليغ وفصيح سمع القرآن يتلى عليه، فإنه يدهش عقله، ويحير لبه، وما ذاك إلا لما قرع مسامعهم من لطيف التأليف، وحسن مواقع التصريف في كل موعظة، وحكاية كل قصة، فلو كان ما زعموه من الصرفة، لكان العجب من غير ذلك، فلو كان كما زعمه أهل الصرفة، لم يكن للتعجب من فصاحته وجه، فلما علمنا بالضرورة إعجابهم بالبلاغة، دل على فساد هذه المقالة.) وبمثل هذا استدلّ عبد القاهر الجرجاني على بطلان القول بالصرفة حيث يقول: (فمحال أن يعظموه وأن يبهتوا عند سماعه، ويستكينوا له، وهم يرون فيما قالوه وقاله الأولون مايوازيه، ويعلمون أنه لم يتعذر عليهم، لأنهم لا يستطيعون مثله، ولكن وجدوا في أنفسهم شبه الآفة، والعارض يعرض للإنسان فيمنعه بعض ما كان سهلا عليه، بل الواجب في مثل هذه الحال أن يقولوا: - إن كنا لا يتهيأ لنا أن نقول في معاني ما جئت به ما يشبهه، إنما نأتيك في غيره من المعاني بما شئت، وكيف شئت، بما لا يقصر عنه)

10) لكلّ نبيّ معجزة تتوافق وطبيعة قومه وقدراتهم فموسى عليه السلام بعث في قوم كثر فيهم السحر وبعث كلّ من هود وصالح في قوم فتنوا بالتفاخر والتعالي في البنيان وبعث عيسى عليه السلام في قوم يحسنون الطب ويشتغلون به ــ وقيل غير ذلك ــ وبعث نبينا عليه الصلاة والسلام في قوم صناعتهم الكلام يقول ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ما نصه: (وإنما يعرف فضل القرآن من كثُر نظره واتّسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة والبيان واتّساع المجال ما أوتيته العرب خِصيصَا [خِصيصَ] من الله لما أرهصه في الرسول صلى الله عليه وسلم وأراده من إقامة الدليل على نبوته بالكتاب فجعله عَلَمَهُ , كما جعل عَلَمَ كلّ نبيّ من المرسلين مِن أشبهِ الأمور بما في زمانهم المبعوث فيه: فكان لموسى فلق البحر واليد والعصا وتفجّر الحجر في التيه بالماء الروّاء على سائر أعلامه زمن السحر وكان لعيسى إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وغبراء الأكمه والأبرص إلى سائر أعلامه زمن الطبّ وكان لمحمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي لو اجتمع الجنّ والإنس على أن يأتوا بمثله لم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا إلى سائر أعلامه زمن البيان ... ) ويقول الجاحظ في حجج النبوة: (بعث الله محمدا- صلى الله عليه وسلم - أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا اقصاها وأدناها إلى توحيد الله، وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الاقرار الهوى والحمية، دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا، وقتل من أعلامهم، وعليائهم، وأعمامهم، وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديا لهم بها، وتقريعا لعجزهم عنها، تكشف من نقصهم ما كان مستورا، وظهر منه ما كان خافيا .. إلى أن يقول: إن القرآن إذ تحداهم بالحجة، ولم يقدروا على الإتيان بمثله عجزا منهم ووهنا، لا تهاونا وتغافلا، لأن الاتيان بمثل أصغر سورة منه كان كفيلا بأن يكفيهم قتل الأنفس والأولاد، وأن التقريع بالعجز أشد على نفوس العرب، والبدو خاصة، لما فيهم من الأنفة والعزة، فكيف والقرآن يتحداهم في أخص خصائصهم وهو البيان، وهم قد عرفوا فيه بالبراعة والبلاغة .. ؟)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير