تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقومها أي يريد الغلبة والسيطرة ... وهو القائل لمّا استحرّ القتل (أمّا الدين فلا دين , قاتلوا عن أنسابكم) "فأيّ إيجاز , وأيّ قوة , وأيّ إيحاء وتحميس أقوى من هذا: قاتلوا عن أحسابكم؟ ... "

وطليحة بن خويلد الأسدي من مشهور كلامه وبليغه ما قاله لعمر رضي الله عنه حين أسِر وأراد قتله لقتله عكاشة بن محصن وثابت بن أكرم رضي الله عنهما فأجابه: (ما تَهُمُّ من رجل يكرمهما الله بيدي ولم يُهِنّي بأيديهما) فهذه الكلمة البليغة والوجيزة قد بلغت من قوة بيانها وفصاحتها وتأثيرها أن دفعت عمر ــ رضي الله عنه ــ الذوّاق والناقد العارف بأسرار كلام العرب إلى العفو عنه وهكذا الأمر والشأن مع جميع من ذكر من معارضي القرآن الأوائل أما المتأخرين منهم فالمتنبي هو أشعر العرب عند جمهور النقاد والمطّلع على أدب المعري يعرف مقدار بيان الرجل وفصاحته ... إذًا ليس صحيحا ما يدّعونه من أنّ هذه المعارضات المذكورة إنّما قام بها سفهاء الناس وجهلتهم وأنّ هذه المحاولات لا تنتقد نظرية الصرفة بل المعارضين سادة شرفاء حكماء وبلغاء ...

الجواب الثاني أنّ هذا الانحطاط وهذه الرداءة التي نلاحظها في معارضات القرآن ليس سببها بلادة قائليها وحقارتهم وسفاهتهم وكذا جهلهم بفنّ الكلام وعجزهم عن فصيحه وبليغه كما تزعمون بل إنّ السبب الرئيس وراء ذلك كلّه هو مقابلة القرآن وما نشعر بهذا التفكه والاستهزاء والتحقير لهذه المحاولات إلاّ لأنّنا وازنّا بينها وبين القرآن الكريم وجعلناها في مقابله لا غير وسيأتي في جواب الشبهة الموالية مزيد بيان عنّ سرّ هذا الشعور الملازم لجميع معارضات القرآن الكريم ...

شبهة 3 حول الشعور بالاستهزاء والتفكّه والتحقير في هذه المعارضات

قد يقول القائل حين نستعرض لمثل هذه المعارضات التافهة "يحتمل أن تكون هذه المعارضات من اختلاق وصنع المسلمين حتى يتفكهون على المعارضين ويثبتون الإعجاز والتقدم للقرآن الكريم" والجواب على هذا من وجوه: أوّلها أنّ القرآن الكريم لا يحتاج إلى الكذب والافتراء لإثبات إعجازه لأنّ الواقع يثبته سواء عن طريق أسلوب المماثلة والموازنة بينه وبين كلام البشر أو عن طريق استقصاء الأساليب القرآنية المعجزة في بلاغتها أو غيرها من الطرق والأساليب العلمية المنهجية المثبتة لبلاغة القرآن المعجزة ... ثانيا هذا الذي زعموه إدّعاء يحتاج إلى دليل فلا يكفي في مجال البحث العلمي مجرد الرمي والقذف بالغيب خاصة وأنّ المسلمين قد ذكروا من الشبه التي رُمي بها الإسلام الشيء الكثير فلما يعدلون عن منهجهم الذي أثبته استقراءُ كتبهم ومؤلفاتهم التي لا تعدّ ولا تحصى إلى هذا الذي يدّعونه من اختلاق هذا الكلام لأجل التفكّه.ثمّ إنّ الكذب على الغير ــ ولو كافرـ محرم في شريعة الإسلام ... ثالثا ــ وهي النقظة المهمة في الردّ على هذه الشبهة ــ إذا كان سبب هذا الذي زعموه ركاكة وتفاهة هذه المعارضات فكأنّهم استغربوا أن تصدر من عاقل حكيم ندب نفسه لشيء عظيم كمعارضة رسالة الإسلام وكتابه القرآن ... والسبب الحقيقي وراء هذا الاستغراب ليس ركاكة ألفاظها وبداءة معانيها ــ وإن كان فيها شيء من ذلك ــ ولكن السبب الحقيقي هو المقارنة والموازنة الواقعة بين هذه المعارضات البشرية الناقصة وبين كلام الله عزّ وجلّ البديع الكامل المعجز , فهذه المعارضات ــ مهما قيل ــ شبيهة تمام المشابهة بسجع الكهان الذي كان منتشرا في جاهلية العرب كقول سَلِمة بن أبي حَيّة المعروف بعزّى سَلِمة وهو كما قال الجاحظ أكهن العرب وأسجعهم: (والأرض والسماء , والعقاب والصقعاء , واقعة ببقعاء , لقد نفّر المجدُ بني العُشَراء للمجد والسناء ... ) ومنه قول زبراء كاهنة بني رِئام تنذرهم غارة (واللوح الخافق والليل الغاسق والصباح الشارق والنّجم الطارق والمزن الوادق إنّ شجر الوادي ليأدو خَتلا ويحرِق أنيابا عُصْلا , وإنّ صخر الطّود ليُنذِر ثُكلا , لا تجدون عنه مَعْلا ... ) ولا فرق بين هذا الكلام ومعارضات مسيلمة وغيره من العرب القدماء من حيث بناؤه وتركيبه ومن حيث سجعُه وغريبُ لفظه ... إلاّ فيما يشعر به القارئ وهو يردّد كلاّ منهما فإذا كان الأثر الذي يتركه سجع الكهان هو الاستغراب وربّما الاستطراف أحيانا والاستعذاب فإنّ كلام مسيلمة وهو بنفس الطريقة والأسلوب يترك هذا الشعور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير