د - أبو العلاء المعري (449هـ): زعموا أنّه ألف كتابا في معارضة القرآن سمّاه (الفصول والغايات في مجاراة السور والآيات) ممّا جاء فيه قوله: (أقسم بخالق الخيل , والريح الهابّة بليل , بين الشرط مطلع سهيل , إنّ الكافر لطويل الويل , وإنّ العمر لمكفوف الذيل , تَعَّدَ مدارج السيل , زطالع التوبة من قبيل , تنج وما إخالك بناج.) قال الأستاذ الرافعي معلقا على هذا الكلام المسجوع لا غير: (فلفظة "ناج" هي الغاية , وما قبلها فصل مسجوع , فيبتدئ بالفصل ثم ينتهي إلى الغاية , وهذا كما ترى عكس الفواصل في القرآن الكريم , لأنّها تأتي خواتم لآياته , فكأن المعارضة نقضٌ للوضع ومجاراة للموضوع , وكأنها صنعة وطبع.)
شبهة 1: زعموا أنّ العرب في زمن النبوة عارضوا القرآن بسور وربما بكتب ولكن صولة الإسلام وقوة دولته أخفت ذلك كلّه ومحته عن الوجود حتى لا يصلنا شيء منه
والجواب أنّه رجم بالغيب وتخيّل مناف للمنهج العلمي يحتاج إلى أدلة ونقول تثبته
يقول السحباني في الردّ على هذه الشبهة: (إنّه رجمٌ بالغيب وتصوّر باطل لا تصدقه الموازين التاريخية والعلمية، إذ لو كانت ثمة معارضة ومقابلة، لما اختفى على العرب المعاصرين ولا على غيرهم. كيف، وإن الإتيان بمثل معجزته، يسجل للمعارض خلود الذكر وسموّ الشرف، بل لَسَعى أعداء الإسلام في نشره بين المعتنقين لدينه وغيرهم، لأنّهم يجدون فيه بغيتهم.)
ويقول الخوئي: (إنّ هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، وشَهَرتها في مواسمها وأسواقها، وَلأَخذ منه أعداء الإسلام نشيدا ًيوقعونه في كل مجلس، وذكراً يرددونه في كل مناسبة، وعَلَّمَه السلف للخلف، وتحفّظوا عليه تحفّظ المدعي على حجّته، وكان ذلك أقرّ لعيونهم من الإحتفاظ بتاريخ السلف. كيف، وأشعار الجاهلية ملأت كتب التاريخ وجوامع الأدب، مع أنا لا نرى أثراً لهذه المعارضة .. )
وممّا قاله الإمام الخطابي مفندا هذا الزعم الباطل قوله: (إنّ هذا السؤال ساقط , والأمر فيه خارج عمّا جرت به عادات الناس من التحدّث بالأمور التي لها شأن وللنفوس بها تعلق , وكيف يجوز ذلك عليهم في مثل هذا الأمر الذي قد انزعجت له القلوب , وسار ذكره بين الخافقين. ولو جاز ذلك في مثل هذا الشأن مع عظم خطره , وجلالة قدره , لجاز أن يقال إنه خرج في ذلك العصر نبي آخر وأنبياء ذوو عدد , وتنزّلت عليهم كتب من السماء وجاءوا بشرائع مخالفة لهذه الشريعة , وكتم الخبر فيها فلم يظهر , وهذا ممّا لا يحتمله عاقل ... )
شبهة 2 أنّ الذين أقدموا على معارضة القرآن هم سفلة القوم وجهلتهم لهذا جاءت هذه المعارضات بهذا الشكل الهزيل ولو تقدم لهذا الأمر فصحاء العرب وحكمائهم لأتوا بمثل القرآن أو بما هو أفضل منه
شبهة 3 حول الشعور بشيء من الاستهزاء والتفكّه والتحقير في هذه المعارضات
قد يقول القائل حين نستعرض لمثل هذه المعارضات التافهة "يحتمل أن تكون هذه المعارضات من اختلاق وصنع المسلمين حتى يتفكهون على المعارضين ويثبتون الإعجاز والتقدم للقرآن الكريم" والجواب على هذا من وجوه: أوّلها أنّ القرآن الكريم لا يحتاج إلى الكذب والافتراء لإثبات إعجازه لأنّ الواقع يثبته سواء عن طريق أسلوب المماثلة والموازنة بينه وبين كلام البشر أو عن طريق استقصاء الأساليب القرآنية المعجزة في بلاغتها أو غيرها من الطرق والأساليب العلمية المنهجية المثبتة لبلاغة القرآن المعجزة ... ثانيا هذا الذي زعموه إدّعاء يحتاج إلى دليل فلا يكفي في مجال البحث العلمي مجرد الرمي والقذف بالغيب خاصة وأنّ المسلمين قد ذكروا من الشبه التي رُمي بها الإسلام الشيء الكثير فلما يعدلون عن منهجهم الذي أثبته استقراءُ كتبهم ومؤلفاتهم التي لا تعدّ ولا تحصى إلى هذا الذي يدّعونه من اختلاق هذا الكلام لأجل التفكّه.ثمّ إنّ الكذب على الغير ــ ولو كافرـ محرم في شريعة الإسلام ... ثالثا ــ وهي النقظة المهمة في الردّ على هذه الشبهة ــ إذا كان سبب هذا الذي زعموه ركاكة وتفاهة هذه المعارضات فكأنّهم استغربوا أن تصدر من عاقل حكيم ندب نفسه لشيء عظيم كمعارضة رسالة الإسلام وكتابه القرآن ... والسبب الحقيقي وراء هذا الاستغراب ليس ركاكة ألفاظها وبداءة معانيها ــ وإن كان فيها شيء من ذلك ــ ولكن السبب الحقيقي هو المقارنة والموازنة الواقعة بين هذه
¥