تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقياسا على ذلك، إذا كانت الشعوب القوية تفرض على الشعوب الضعيفة سياسات اقتصادية تزيد فى فقرهم وتبعيتهم للغير ويتم استغلال مواردهم الاقتصادية عن طريق اتفاقيات مالية مختلفة، فإن العلاج الناجع هو ما كان قد وصف فى أمر ياجوج وماجوج، أي سد كل الثغرات التي يخشى من خلالها تسلل تلك السياسات الاستعمارية إلى البلاد، وإنها خطوة صعبة ولا ريب، وتتطلب تضحيات من الشعوب والتي بعدها يكتب لهم الاكتفاء الذاتي ويكتب لمواردهم وممتلكاتهم الحماية من أيد عابثة.

إهلاك الحرث والنسل من الفساد فى الأرض

ومن الفساد فى الأرض الإضرار بالموارد الطبيعية فى الأرض، ويشهد لذلك قوله تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 205]

فجميع السياسات الاقتصادية والنشاطات الصناعية التي تسبب الضرر إلى الطبيعة ومواردها يجب أن يعاد فيها النظر على الفور، ويدخل فى ذلك ظاهرة الاستعجال فى استغلال الموارد الطبيعية بغض النظر عما سيبقى للأجيال القادمة.

إن النظرية الاقتصادية الصحيحة هي التي تزيد فى عمران الأرض وليس فى فسادها، وإن العيب الأكبر فى النظريات الاقتصادية الحديثة أنها تخضع لرغبة استقطاب ثروات العالم إلى دولة أو مجموعة دول، وليس فى تعمير الأرض كلها، فإذا أيدت الاقتصاد الحر والتجارة الحرة فإنما لدعم اقتصادها وإذا رفعت صوتها فى صالح التدخل الحكومي فى النشاط الاقتصادي وفرض قيود على السوق فإنما لدعم اقتصادها فحسب، أما عن عمران العالم كله ورفع المستوى الاقتصادي للبشر أجمعهم، فلم يبد له أي اهتمام. أما القرآن الكريم فإنه يهتم بالأرض كلها لأن الأرض لله والإنسان خليفة من الله فى الأرض كلها.

الفساد فى الأرض يتربى على أيدي المترفين

وآفات الثراء والترف من الفساد فى الأرض، ويتجلى ذلك فى قوله تعالى: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) [هود] ونظام الآية يدل على الصلة الوثيقة بين الظلم والإجرام وبين الترف، فالظلم والإجرام ينشآن فى بيئة الثراء والترف، ومن ثم يؤول الأمر إلى الفساد فى الأرض. وقد شاع بين الناس فى عصر المادية الحديث، أن الثري ليس لديه خيار إلا أن يبقى ثريا، بينما الذي ليس بثري لديه خيار في أن يبقى على حاله أو يختار أن يصبح ثريا. يعني إذا بقي الفقير فقيرا فاللوم عليه أنه لماذا لم يأخذ بالخيار الآخر. بدون تعليق على صحة هذا القول وبدون تعليق على أن الاستعمار الاقتصادي الجديد هل فعلا أعطى الفقراء خيار النقلة النوعية ليصبحوا أثرياء، إلا أنه من المؤكد أن فرص التلبس بالفساد فى الأرض متاحة للأثرياء أكثر بكثير من الفقراء وهم يستغلون تلك الفرص إلا من خشي الله.

والقرآن الكريم قد ذكر للاعتبار قصة قارون الذي بغى على قومه لما أوتي من أموال وكنوز فعدّ ذلك من الفساد. إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) [القصص]

ولسيد قطب وقفة جميلة عند هذه الآيات حيث يقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير