تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فانظر كيف يحسن هذا الإسناد ثم يصحح حديث سد الأبواب لأن له شواهد. وهكذا قصة نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليس منكراً والإسناد حسن وله شواهد. ورأيت الشيخ الألباني يقول عقب حديث ذكره: {هو صحيح، أما على شرط مسلم، فلا، فإن فيه عند الحاكم وكذا أحمد في بعض طرقه أبا بلج واسمه يحيى بن سليم وهو ثقة، إلا أنه ليس من رجال مسلم} (الضعيفة رقم 86). ورأيته يقول عن حديث أبي بلج حدثنا عمرو بن ميمون عن ابن عباس: {إسناده جيد} (الضعيفة رقم 2929).

وقد فهم الإخوة أنه لا يمكن تضعيف هذا الإسناد لأجل أبي بلج فقط لأنه على أقل الأحوال حسن الحديث. وأنت تريد أن تجعل حديثه في مرتبة الضعيف أو الموضوع لأجل كلام البخاري وابن حبان فقط وهذا خطأ بيّن ظاهر. فلذا جاء الإخوة بعلل أخرى كعدم معرفتهم بسماع عمرو بن ميمون عن ابن عباس مثلاً أو أنّ أبا بلج أخطأ في هذا الحديث خاصة مع كونه حسن أو صحيح الحديث في نفسه وأخيراً أنّ المتن منكر فهذا شاهد أو دليل لخطأ أبي بلج فيه. وإعلال الحديث لأجل نكارة المتن هو منهج علمي صحيح، ولكن أين النكارة في خبر نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم؟! أتريد تضعيف جميع ألفاظ الحديث لأنّ فيه بعض الزيادات المنكرة أو الغريبة عندك؟!

وأما قولك {ألا يكفيك أن فيه ألفاظا هي كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تعلم} فأنا لا أعلم في هذا الحديث ما يثبت أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أن الإمام النسائي وأحمد وابن أبي حاتم وأمثالهم رووا الكذب في كتبهم دون التنبيه، كما لا أظن أن جمع من الأئمة من المتأخرين والمعاصرين صححوا هذا الإسناد دون التنبيه مع إشتماله على الكذب. نعم، هناك بعض الألفاظ والزيادات في هذا الخبر أنكرها بعض العلماء كحديث سد الأبواب مثلاً أو قالوا بغرابتها كخبر خروج الصديق رضي الله عنه من بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يبقى منكراً أو غريباً لأنه لم يجد له شاهداً يصلح للاستشهاد به أو لأنه مخالف لخبر صحيح، ولكن أصل قصة نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم فليس منكراً أصلاً فهو حسن حتى مع تفرد أبي بلج به ولكن لم ينفرد به.

وأذكر هنا مثالاً واحداً من كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني: فإنه بعد أن ذكر خبراً بهذا الأسناد " عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة " مرسلاً، ثم ذكر خبراً بهذا الإسناد " النضر بن شميل عن عوف عن الحسن " مرسلاً أيضاً قال: {وهذان مرسلان يقوي أحدهما الآخر} (التلخيص الحبير ج 5 ص 306).

وهكذا خبر نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رواه عكرمة مرسلاً (بسند صحيح عنه) كما مرّ توضيحه وهناك رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلاً أيضاً: {فهذان مرسلان يقوي أحدهما الآخر}. فإن ضمت بهما رواية مقسم عن ابن عباس ثم رواية أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس تطمئن النفس بأن هناك أصلاً لخبر نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم بل يرتقى سند الخبر إلى درجة الصحة.

أما ما حُكي عن الإمام أحمد رحمه الله:

الأول: أنه قال عن طريق عمرو بن ميمون عن ابن عباس: ما أدري ما أعلمه.

الثاني: أنه قال أن أبا بلج روى حديثا منكراً سد الأبواب، هكذا نقله عنه ابن الجوزي.

يقول الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: {النقل عن أئمة النقد في الرواة لا يختلف عن أي منقول عن غيرهم، في ضرورة ثبوته عمن نقل عنه، وإلا لم يصح بناء حكم عليه، وباديء ذي بدء لابد من التسليم بوجود أقوال ونصوص نسبت إلى أئمة النقل وبعد التمحيص تبين عدم ثبوتها وأن الأمر لا يخلو من لبس وقد واجه ذلك أئمة النقد أنفسهم، فجاء عنهم نفي شيء مما نسب إليهم أو بيان الصواب فيما نقل عنهم ... فيشترط في النقل صحة الإسناد، باتصاله، وثقة رواته، وسلامته من الشذوذ والعلل، ولست مبالغا في ذلك، فالنقل لنقد الراوي خبر كسائر الأخبار، لابد فيه من هذه الشروط} (الجرح والتعديل ص 308 باب " ثبوت النقل عمن نسب إليه "). وقد مرّ قبل ذلك كلام الشيخ المعلمي في هذا المعنى: {إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر أثابتة هي عن ذاك الإمام أم لا؟}.

وهذا الذي حُكي عن الإمام أحمد لا يوجد في كتبه ولم يرو عنه بسند صحيح متصل فيما أعلم. وما أدري كيف يصح الإستدلال بهذا النقل عن الإمام أحمد مع أنه ليس له سند متصل، لا صحيح ولا ضعيف، ولكن لا يصح خبر نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم مع أنّ له سند حسن عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ومرسل صحيح عن عكرمة ومرسل ابن لهيعة و ... ؟! بأي منطق يثبت هذا النقل عن الإمام أحمد رحمه الله ثم يضعف خبر نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم؟! أليس سند خبر نوم علي أصح بطبقات من سند هذا النقل عن الإمام أحمد؟!

ولكن الآن أقول سلمتُ بثبوته عن الإمام أحمد. أما الأول – وهو قوله " ما أدري ما أعلمه "- فلا يقدح في الحديث لأنّ سماع ورواية عمرو بن ميمون عن ابن عباس وردت في صحيح البخاري كما عرفت. أما الثاني، فمن الواضح أنّ الإمام لم يقل بنكارة جميع ألفاظ الحديث، كيف وبعضها من المتواترات وبعضها صحيحة ومعروفة جداً كما مرّ؟ إذن لابد أن نقول: أنّ الإمام أحمد حكم بالنكارة على ما تفرد به أبو بلج وكان في لفظه نكارة أو غرابة مثلاً، وأما ما لم ينفرد به وليس فيه أي نكارة، فلا ينبغي الحكم عليه بالنكارة كحديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... "، وحديث " من كنت مولاه ... "، وحديث " اللهم هؤلاء أهل بيتي ... "، وهكذا خبر نوم علي، فلجميع هذه الأحاديث شواهد من طرق أخرى.

والسلام عليكم ورحمة الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير