قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم فاستعملوا الرأى عند الفقر و البؤس أما العريب فأمسوا لا عطاء لهم و فى الموالى علامات المغاليس
فلقيه أبو حنيفة فقال: هجوتنا، نحن نرضيك، فبعث إليه بدراهم، فقال:
إذا ما أهل مصر بادهونا بداهية من الفتيا لطيفة
أتيناهم بمقياس صحيح صليب من طراز أبى حنيفة
إذا سمع الفقيه به حواه و أثبته بحبر فى صحيفة
و به قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهرى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر
الخلال، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا جدى، قال: أملى على بعض أصحابنا أبياتا مدح بها عبد الله بن المبارك أبا حنيفة:
رأيت أبا حنيفة كل يوم يزيد نبالة و يزيد خيرا
و ينطق بالصواب و يصطفيه إذا ما قال أهل الجور جورا
يقايس من يقايسه بلب فمن ذا تجعلون له نظيرا
كفانا فقد حماد و كانت مصيبتنا به أمرا كبيرا
فرد شماتة الأعداء عنا و أبدى بعده علما كثيرا
رأيت أبا حنيفة حين يؤتى و يطلب علمه بحرا غزيرا
إذا ما المشكلات تدافعتها رجال العلم كان بها بصيرا
و به قال: أخبرنا على بن القاسم البصرى الشاهد، قال: حدثنا على بن إسحاق المادرائى، قال: ذكر أبو داود يعنى السجستانى و لم أسمعه منه، عن نصر بن
على، قال: سمعت ابن داود يقول: الناس فى أبى حنيفة حاسد و جاهل و أحسنهم عندى حالا الجاهل.
و به قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازى، قال: حدثنا أبو بكر محمد ابن إسحاق بن إبراهيم القاضى بالأهواز، قال: حدثنى محمد بن عزرة، قال: حدثنا أبو الربيع الحارثى، قال: سمعت عبد الله بن داود يقول: الناس فى
أبى حنيفة رجلان: جاهل به و حاسد له.
و به قال: أخبرنا الأهوازى، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق القاضى، قال: حدثنا محمود بن محمد الواسطى، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، قال سمعت أبى يقول: دخلت على أبى حنيفة فرأيته مطرقا مفكرا، فقال لى: من أين أقبلت؟ من عند شريك،
و رفع رأسه، و أنشأ يقول:
إن يحسدونى فإنى غير لائمهم قبلى من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لى و لهم ما بى و ما بهم و مات أكثرنا غيظا بما يجد
قال وكيع: و أظنه كان بلغه عنه شىء.
و به قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أحمد بن شعيب البخارى، قال: حدثنا على بن موسى القمى، قال: حدثنى أحمد بن عبد قاضى الرى، قال: حدثنا أبى، قال: كنا عند ابن عائشة، فذكر حديثا لأبى حنيفة، فقال بعض من حضر: لا نريده، فقال لهم: أما إنكم لو رأيتموه لأردتموه، و ما أعرف له و لكم مثلا إلا ما قال الشاعر:
أقلوا عليهم ويلكم لا أبالكم من اللوم أوسدوا المكان الذى سدوا
و به قال: أخبرنى عبد الباقى بن عبد الكريم بن عمر المؤدب، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا جدى، قال: حدثنى أحمد بن سهل، قال: سمعت يحيى بن أيوب، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: و ذكر أبا حنيفة، فقال: أبو حنيفة رجل من الناس خطؤه كخطأ
الناس، و صوابه كصواب الناس.
و به قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفى، قال: حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغانى، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: سمعت عبيد بن أبى قرة يقول: سمعت يحيى بن ضريس يقول: شهدت سفيان و أتاه رجل، فقال له: ما تنقم على أبى حنيفة؟ قال: و ما له؟ قال: سمعته يقول: آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله، فما لم أجد فى كتاب الله و لا فى سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم و أدع من شئت منهم و لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر أو جاء إلى إبراهيم، و الشعبى، و ابن سيرين، و الحسن، و عطاء، و سعيد بن المسيب و عدد رجالا، فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا. قال: فسكت سفيان طويلا، ثم قال كلمات برأيه ما بقى أحد فى المجلس إلا كتبه: نسمع الشديد من الحديث فنخافه، و نسمع اللين فنرجوه، و لا نحاسب الأحياء، و لا نقضى على الأموات، نسلم ما سمعنا، و نكل ما لا نعلم إلى عالمه، و نتهم رأينا لرأيهم.
قد ذكرنا فيما مضى أن مولد أبى حنيفة كان سنة ثمانين، و ذكرنا عن روح بن عبادة و غيره أن وفاته كانت سنة خمسين و مئة.
¥