الرسم تام، رسم ناقص، ومنها ما هو من قبيل التعريف اللفظي، ومنها ما هو من قبيل التعريف بالمثال، ومنها ما هو من قبيل التعريف بالتقسيم.
فهذا الكلام على التعاريف بصورة مجملة، وإليك بيان ذلك بالتفصيل:
أولا:
(1) الحد التام: ما كان تعريفاً للشيء بذكر تمام ذاتياته.
وهي صفاته الداخلة في ماهيته، وتكون بذكر جنسه وفصله القريبين (31).
وسمي بهذا الاسم؛ لأن الحد في اللغة يطلق على المنع (32) هذا المعنى موجود في الحد الاصطلاحي؛ لأنه مانع من دخول غير المحدود فيه، ومن خروج شيء منه، وأما سبب تسميته بالتام؛ فلذكر الذاتيين القريبين فيه
مثال تعريف الإنسان بأنه: حيوان ناطق.
فالحيوان: جنس قريب يمثل جزءا من ماهية الإنسان، وهذا الجنس هو أقرب الأجناس بالنسبة إلى الإنسان؛ فهو أقرب من النامي؛ لأنَّ النامي جنس متوسط بخلاف الحيوان، فهو جنس سافل؛ ولكنه جزء مشترك، يدخل في تركيب ماهيات أخرى، كماهية الفرس والدب وغيرهما، ولهذا أحتجنا إلى فصل ليميز هذا الجنس عن بقية الماهيات التي اشتركت معه في جنس الحيوانية، وهذا الفصل هو الناطق.
فالناطق: فصل، ميز الماهية عن بقية الماهيات التي اشتركت معه في الجنس الذي هو الحيوانية، وهذا الفصل أقرب الفصول لتمييز النوع –الإنسان- عن سائر الأنواع المشاركة له في الجنس كالحساس؛ لأن ذكر الحساس لا يميزه عن سائر الحيوانات؛ وإنما يميزه عن الجماد والنبات.
(2) الحد الناقص: ما كان تعريفاً للشيء بذكر البعض الذي يفصله عن غيره من ذاتياته (33).
وقد يكون بذكر فصله القريب فقط، أو بذكر جنسه البعيد مع فصله القريب.
كتعريف الإنسان بأنه: الناطق فقط، أو بأنه (نام ناطق) أو (جسم ناطق).
فالناطق فصل قريب كما علمت، وبقولنا: نام ناطق أو جسم ناطق، فكل من النامي والجسم بالنسبة للإنسان جنس بعيد.
فدلالة الحد الناقص على المحدود؛ إنما هي بالالتزام (34) لا بالمطابقة (35)؛ لأنها دلالة جزء مختص على الكل.
(3) الرسم التام: ما كان تعريفاً للشيء بذكر جنسه القريب مع خاصته اللازمة الشاملة، أي مع ذكر عرضه اللازم لكل ما يصدق عليه والخاص به. كتعريف الإنسان بأنه: الحيوان الضاحك بالقوة؛ فالحيوان هو الجنس القريب للإنسان، والضاحك بالقوة هي خاصة من خواص الإنسان اللازمة له والشاملة لأفراده. (36)
ووصف الرسم بالتام، لمشابهته للحد التام؛ حيث إنه وضع فيه الجنس القريب، وقيِّد بأمر يختص به.
(4) الرسم الناقص: ما كان تعريفاً للشيء بذكر خاصته اللازمة الشاملة وحدها، أو مع جنسه البعيد، أو مع عَرَضه العام، أو بذكر عَرَضيات له تختص جملتها بحقيقته. (37)
كتعريف الإنسان بأنه: الضاحك بالقوة؛ فهي بالنسبة إلى الإنسان من الخواص اللازمة الشاملة لكل أفراده.
أو أنه: جسم ضاحك بالقوة؛ فالجسم جنس بعيد للإنسان، وضاحك بالقوة خاصة لازمة شاملة من خواصه.
أو أنه: ضاحك بالقوة ماش على قدميه؛ فالضاحك بالقوة خاصة لازمة شاملة لأفراده، وماشٍ على قدميه عرض عام
أو بأنه: ماشٍ على قدميه عريض الأظفار بادي البشرة ضَحَّاك بالطبع.
فكل هذه عَرَضيات تختص جملتها بحقيقة نوع الإنسان.
(5) التعريف اللّفظي أو التعريف بالمرادف: وهو تعريف اللفظ بلفظ آخر مرادف له معلوم عند المخاطَب.
وهو لا يُشترط فيه شيء؛ إذ يجوز أن يكون بلفظ مرادف للمعرَّف، كتعريف البُّر بالقمح، وقد يكون بأعمّ منه، كتعريف الصَّبا بالريح، وقد يكون بأخص منه كتعريف الطيب بالمسك، كما يجوز أن يكون بمُرَكب يُؤتى به لتعيين المعنى المراد كتعريف الخلاء بأنه: الفراغ الذي تتحيّز فيه الأجرام (38).
(6) التعريف بالمثال: وهو تعريف الشيء بذكر مثال من أمثلته.
كتعريف الاسم بأنه ما أشبه لفظ زيد، والفعل بأنه ما أشبه لفظ قال، وكثيراً ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستخدمه، كقوله: إن من الشجرة شجرة مثلها كمثل المسلم (39). وكقوله: مثل الذي يقرأ القرآن كالأُترجة طعمها طيب وريحها طيب (40).
(7) التعريف بالتقسيم: وهو تعريف الشيء بذكر الأقسام التي ينقسم إليها.
بحيث تميزه عن غيره.
كتعريف الكلمة بأنها: اسم أو فعل أو حرف، وتعريف الكفارة بأنها: صيام أو صدقة أو نُسُك.
¥