تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المختصر الوافي في تحرير قولهم "المثبت مقدمم على النافي".]

ـ[أبو عبد العظيم الباتني]ــــــــ[15 - 11 - 09, 03:46 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم أبو عبد العظيم سفيان بن أحمد التغلوسي الباتني السلفي

الحمد لله الذي أغنى بحلاله عن حرامه، وسهل طريق العلم وذلله، وأغنى المتعلمين بعلمائه وكباره عن طلابه وصغاره

أما بعد:

هذا ملخص لطيف من بحث مطول في باب من أبواب أصول الفقه خاصة، ألا وهو باب الترجيح بين الأدلة عند تعارضها، ذلك الباب المهم الذي يرسب في أواخر كتب الأصول، فلا يصل إليه المؤلفون إلا عن سآمة ولا المتعلمون إلا من رزق الصبر على الإدامة، فهي حرية بأن تدرس وتعنى بالنظر

وقد وقع على قلبي البحث في قول الأصوليين في باب الترجيح بين الأدلة "المثبت مقدم على النافي"، أي أن الدليل المثبت للحكم مقدم على الدليل النافي له، كما سيأتي بيان ذلك، ومما حملني للبحث فيها أمران:

أحدهما: كثرة إطلاقها وتداولها واستعمالها بين أهل العلم، وكثرتها في مصنفاتهم.

وثانيهما: سوء استعمالها، وعدم تحقيق القول فيها، فكمن مستعمل لها في غير موضعها، وكم من مستدرك على جماهير الأمة بها، وغير ذلك ...

وقد حان وقت الشروع في المقصود، فأقول وبالله التوفيق، وعليه التكلان:

ذكر الأصوليون رحمهم الله، من بين المرجحات بين الأدلة تقديم الخبر المثبت للحكم، على الخبر النافي له.

والمثبت للحكم هو الذي يثبت أمرا عارضا لم يكن ثابتا فيما مضى، أو هو الذي يقرر حكما زائدا عن الأصل.

والنافي للحكم: هو الذي ينفي الأمر الزائد ويبقي الأصل على ماكان عليه.

مثال ذلك أن يخبر مخبر بنجاسة الماء الذي في الإناء، ويخبر آخر بطهارته، فالذي أخبر بالنجاسة مثبت لحكم النجاسة، وهو الأمر الطارىء على الطهارة الزائد عليها، والمخبر بالطهارة هو النافي لحكم النجاسة المبقي لأصل الماء وهو الطهارة.

وانتشر هذا المرجح إنتشارا كبيرا على ألسنة أهل العلم وكثر استعماله في مصنفاتهم، حتى بدى لقليلي النظر أنه محل إجماع بين الأصوليين، والأمر على خلاف ذلك.

ذلك أن المتأمل في كتب الأصول يجد أنهم إختلفوا في الترجيح بهذا المرجح، بين مثبت له، وبين نافي له عاكس له، وبين مفصل بين ذلك، وبين متوقف فيه، على أربعة أقوال

ولم ينقل الأصولييون المعتنون بنقل الخلاف كالزركشي وغيره مذهب الحنفية في المسألة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم مخالفة الحنفية للجمهور في المصير إلى الترجيح، فهم لا يصيرون إلى الترجيح إلا عند الظرورة وعدم القدرة على النسخ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لعدم نص الحنفية على مذهبهم في المسألة، ولأضطراب عملهم في فروعهم الفقهية فيها، غير أن بعض الحنفية كأبو زيد الدبوسي وغيره حرروا مذهب الحنفية في المسألة، وجعلوهم من المفصلين في النفي على ما سيأتي ان شاء الله تعالى.

*فذهب جمهور الأصوليين والفقهاء من الشافعية والحنابلة إلى تقديم المثبت على النافي عند التعارض، لأن مع المثبت زيادة علم خفيت على النافي، فقدم المثبت عند التعارض، واختار هذا القول الكرخي من الحنفية.

*وذهب جماعة من أهل الأصول إلى نقيض ذلك وقالوا يقدم النافي على المثبت عند التعارض، لأعتضاده بالأصل وهو عدم الإثبات، ولأن النافي لو تقدم على المثبت لكانت فائدته تأكيد الحكم، ولو تأخر كانت فائدته تأسيس حكم جديد، وفائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد، وهذ القول نسبه ابن النجار في "الكوكب المنير" لأبي الخطاب، والقاضي أبو يعلى الحنبليين، واختار هذا القول الآمدي من الشافعية، والجصاص من الحنفية، وغيرهم.

*وذهب أخرون من أهل الأصول إلى التوقف بينهما وعدم تقديم أحدهما على الآخر، وأنهما يتعارضان ويتساويان فيطلب الترجيح بمرجح من آخر، واختار هذا القول القاضي عبد الجبار المعتزلي، وعيسى بن أبان من الحنفية، والغزالي من الشافعية، والباجي من المالكية.

*وذهب آخرون من أهل الأصول إلى تقديم النافي على المثبت في حالات يتقوى معها النافي على المثبت، وممن نصر هذا التفصيل جماعة من أهل الأصول ستأتي أسماءهم تحت ذكر الحالات وإليك هذه الحالات التي يقدم فيها النافي على المثبت، إلا الحالة الأولى فإنهما يتساويان ويتعارضان فيطلب الترجيح بمرجح اخر:

الحالة الأولى: أن يستند النافي إلى علم بالعدم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير