[الاستحسان]
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:37 م]ـ
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل وأشهد الا إله إلا الله وحده لاشريك يقول الحق وهو يهدي السبيل
الإستحسان في الشرع فأولاً لا بد من معرفة معاني الإستحسان
فإن للإستحسان معاني منها الفاسد اتفاقاً ومنها الصحيح المعتبر اتفاقا وليس كل الإستحسان باطل كما يفهم الشرع
هذا البحث من كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة
تأليف محمد بن حسين بن حسن الجيزاني
فالمعنى الصحيح باتفاق هو أن الاستحسان:ترجيح دليل على دليل،أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأحسن
وقال ابن تيمية رحمه الله ""ولفظ الاستحسان يؤيد هذا، فإنه اختيلر الأحسن "" "" المسودة"" (454)
وهذا يعبر عنه بـ""العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص "" (1)
أما المعنى الباطل للاستحسان فهو:"" ما يستحسنه المجتهد بعقله "" (2)
يعني بهواه وعقله المجرد دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة.
وإذا تبين أن للاستحسان معنيين متقابلين أحدهما صحيح اتفاقًا والآخر باطل اتفاقًا فلا بد من التنبيه على ما يأتي:
*أولاً: أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة، فلا يصح لذلك إطلاق الحكم عليه بالصحة أو البطلان.
* ثانيًا: أن من أثبت الاستحسان من أهل العلم وأخذ به فإنما أراد المعنى الصحيح قطعًا.
* ثالثًا: أن من أنكر الاستحسان من أهل العلم وشنع على من قال به فإنما أراد المعنى الباطل قطعًا.
*رابعًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الصحيح أمر متفق على صحته، إذ لا نزاع في وجوب العمل بالدليل الراجح، وإنما اختُلف في تسمية ذلك استحسانًا.
* خامسًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الباطل أمر متفق على تحريمه، إذ الأمة مجمعة على تحريم القول على الله بدون دليل، ولا شك أن ما يستحسنه المجتهد بعقله وهواه من قبيل القول على الله بدون دليل فيكون محرمًا.
2 - موقف الإمام الشافعي من الاستحسان:
أنكر الإمام الشافعي القول بالاستحسان وبالغ في رده.
فمن ذلك قوله: "من استحسن فقد شرع" (3).
ووجهة نظر الشافعي تتضح في قوله الآتي:
" ..... ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم، وذلك الكتاب، ثم السنة، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا.
ولا يجوز أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان؛ إذ لم يكن الاستحسان واجبًا ولا في واحد من هذه المعاني" (4).
ومن هذا النص يتبين لنا أن الشافعي إنما ينكر الاستحسان الذي لا يعتمد على شيء من الأدلة الشرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
وهذا حق بلا ريب إذ العلماء قاطبة مجمعون على تحريم القول في دين الله بلا علم، لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل؛ إذ الجميع لم يرجع فيما قال إلا إلى هواه ونفسه، وهذا عين المحظور (5).
وفي ذلك يقول الشافعي:
" .... لا أعلم أحدًا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالمًا بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل" (6).
ويجلي ابن القيم موقف الإمام الشافعي، فيقول: "الشافعي يبالغ في رد الاستحسان، وقد قال به في مسائل:
أحدها: أنه استحسن في المتعة في حق الغني أن يكون خادمًا، وفي حق الفقير مقنعة (7)، وفي حق المتوسط ثلاثين درهمًا" (8).
وبذلك يتبين أن الشافعي إنما أنكر الاستحسان بمعنى القول بدون علم بالهوى والتشهي، أما إن كان الاستحسان بمعنى يوافق الكتاب والسنة، فإن الشافعي نفسه يقول به على النحو الذي يذكره ابن القيم.
- موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان:
نسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بالاستحسان الذي بمعنى القول بدون علم، وهذه النسبة باطلة لا تصح، إذ العلماء كافة مجمعون على تحريم القول بدون علم، بل إن أبا يوسف يقول عن أبي حنيفة لما رحل بعد موته إلى الحجاز واستفاد سننًا لم تكن معلومة عندهم في الكوفة: "لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت".
وذلك لعلم أبي يوسف بأن صاحبه ما كان يقصد إلا اتباع الشريعة، لكن قد يكون عند غيره من علم السنن ما لم يبلغه (9).
فالمقصود أن أبا حنيفة يقول بالاستحسان الذي بمعنى تقديم النص على القياس، وهذا حق، وهو ينكر الأخذ بالاستحسان الذي بمعنى العمل بالرأي في مقابلة النص (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: "روضة الناظر" (1/ 407)، و"قواعد الأصول" (77)، و"مختصر ابن اللحام" (162)، و"شرح الكوكب المنير" (4/ 431).
(2) انظر: "روضة الناظر" (1/ 408)، و"قواعد الأصول" (77)، و"مختصر ابن اللحام" (162).
(3) انظر: "المستصفى" (247).
(4) "إبطال الاستحسان" (29).
(5) انظر: "روضة الناظر" (1/ 409، 410).
(6) "إبطال الاستحسان" (37).
(7) المقنعة والقناع: ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي به رأسها ومحاسنها. انظر: "لسان العرب" (8/ 300).
(8) "بدائع الفوائد" (4/ 32).
(9) انظر: "مجموع الفتاوى" (4/ 74).
(10) مما يدل على ذلك قول أبي حنيفة: "لا تأخذوا بمقاييس زفر، فإنكم إن أخذتم بمقاييسه حرمتم الحلال وحللتم الحرام". "مجموع الفتاوى" (4/ 47