تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[القول بالموجب أحد الأسئلة الواردة على القياس]

ـ[أبو عبد الله يربح]ــــــــ[04 - 12 - 09, 09:47 ص]ـ

[القول بالموجب أحد الأسئلة الواردة على القياس]

للشيخ الدكتور أبي عبد المعز محمد علي فركوس

حفظه الله تعالى

يرى بعض الأصوليين أنّ أصل الأسئلة الواردة على القياس وهي المعبر عنها -أيضا- بالاعتراضات من فن الجدل، وهو ما اختاره أبو حامد الغزالي، حيث اعتبرها كالعلاوة على علم أصول الفقه (3). غير أنّ جمهورهم جعلوها من علم الأصول، لكونها من مكملات القياس المعدود من أصول الفقه، ومكمل الشيء من ذلك الشيء، لذلك أطنب جماعة من الأصوليين في ذكر مباحث المنطق والعربية والأحكام الكلامية لهذه الشبهة، وهي كونها من موارده ومكملاته (4).

وهذه الأسئلة قد ترد من مستفيد يقصد معرفة الحكم خالصا، أو من معاند يقصد –من وراء السؤال- قطع حجة خصمه في حكم حادثة من الأقيسة، حيث يعترض على صلاحية العلّة التي تمسك بها المستدل لإبطال تمسكه بالقياس، أو يسلّم المعترِض بمقتضى دليل المستدل مع بقاء الحكم المتنازع فيه، فمن هذه الأسئلة ما يقدح في العلة فقط كالنقض والمعارضة، ومنها ما ترد على الدليل والعلّة أو غيرها كالقول بالموجب.

فحقيقة القول بالموجب إذن هي: "تسليم ما جعله المستدل موجبا لدليله مع بقاء الخلاف" (5).

بمعنى أن يسلّم المعترض مدلول الخصم مع بقاء النزاع في الحكم، وذلك بجعل المدلول الذي سلّمه الخصم ليس هو محل النزاع، أي ورود دعوى نصب الدليل في غير محلّ النزاع، غير أنّ ما عرف به الحدّ لا يجعله يختص بالقياس بل يصلح لكلّ دليل، لذلك جعله البيانيون من جملة أنواع البديع (6)، ومثلوا له بقول الشاعر علي بن فضل المجاشعي القيراوني:

وإخوانٍ حسبتُهم دروعاً فكانوها ولكن للأَعَادي

وخلتُهم سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادي

وقالوا قد صَغَت منّا قلوبٌ لقد صدقوا ولكن عن ودادي

وقالوا قد سعينا كل سعي لقد صدقوا ولكن في فسادي (7)

وبقول ابن الحجاج:

قلت: ثقلتُ إذا أتيت مرارا قال: ثقّلت كاهلي بالأيادي

قلت: طوّلتُ قال: أولَيتَ طولا قلت: أبرمتُ قال: حبلَ ودادي (8)

ومن شواهده في القرآن الكريم قوله تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ... " (9)، حيث ورد تعقيبا على قول عبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ " (10)، فأراد إثبات حكم الإخراج من المدينة بواسطة الصفة المذكورة وهي العزّة، فكان أن ردّ عليه بأنَّ تلك الصفة ثابتة، لكن لغيره لا لمن أراد إثباتها لنفسه، مع بقاء مقتضى الحكم وهو الإخراج، بمعنى أنّ العزة ثابتة لكن لا له وإنّما لله ولرسوله وللمؤمنين (11).

ومنهم من حدّه:" بتسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع فيه "، قال ابن المنير:" وهو غير مستقيم لأنّه يدخل فيه ما ليس منه، وهو بيان غلط المستدل على إيجاب النية في الوضوء بقوله: "في أربعين شاة شاة فقال المعترض: أقول بموجَب هذا الدليل لكنّه لا يتناول محلّ النزاع، فهذا ينطبق عليه الحدّ وليس قولا بالموجَب، لأنّ شرطه أن يظهر عذر للمستدل في الغلط، فتمام الحد أن يقال:" هو تسليم نقيض الدليل مع بقاء النزاع حيث يكون للمستدل عذر معتبر" (12).

هذا ويمكن تعريفه بقولنا: "هو التسليم بمقتضى الدليل المنحرف عن محلّ النزاع"، وهذا التعريف-في نظري- يدفع الإشكال الوارد على التعريفات السابقة من جهة عدم الشعور بتحقق ولاود الدليل على حكم المسألة المتنازع فيها، لأنّ الاستدلال على غير محلّ النزاع لا يمكن القول بموجَبه، والاستدلال على غير محلّ النزاع لا يُعتدّ به، ومنه يستفاد تسليم المعترِض ما يظن المستدل بأنّ المأتي به متضمن لمطلوبه في حكم المسألة المتنازع فيها، مع كونه غير متضمّن.

والفرق بينه وبين المعارضة أنّ حاصله يرجع إلى خروج الدليل عن محلّ النزاع، والمعارضة فيها اعتراف بأنّ للدليل دلالة على محلّ النزاع.

ومن أمثلة القول بالموجَب ما يأتي:

- كاحتجاج المستدلّ على أنّ الوقوف في الصلاة في السفينة فرض، لأنّه فرض في الصلاة في غير السفينة، فوجب أن يكون فرضا فيها كسائر الفروض.

فيقول المخالف: أقول بموجَب هذه العلة، فإنّ القيام عندي فرض في السفينة إذا كانت واقفة، وإنّما النزاع فيما إذا كانت جارية (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير