تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[19 - 10 - 07, 12:33 ص]ـ

اللمعة 8:

هل المجاز العقلي من قبيل التجوز في الإسناد أم من قبيل الإسناد في التجوز؟

إلى الأول ذهب الجمهور،واختار السكاكي الثاني ...

بيانه:

قولك "أنبت الربيع البقل" مؤلف من ثلاثة أمور:

فعل "الإنبات"

فاعل "الربيع"

وإسناد الأول إلى الثاني.

زعم الجمهور أن "الإنبات" باق على حقيقتة لا يراد به إلا الإنبات، وكذلك" الربيع" لا يراد به إلا الفصل الزمني المعروف ..

ولأن التعبير مجازي باتفاق فلا بد أن يأتي عارض المجاز من الإسناد وحده.

وزعم السكاكي أن التجوز في لفظ (الربيع)،لكنه لا يمنع- مبدئيا- أن تكون الاستعارة في "أنبت " إلا أنه وفاء بحق الاقتصاد-أي تقليل أقسام الاستعارة- يفضل اعتبار الاستعارة التبعية قرينة للمكنية دائما.

وقد رأينا الاعتراض العقدي على صنيع السكاكي في لمعة سابقة ولكن هل يعني هذا سلامة مذهب الجمهور؟

لو طبقنا هنا مبدأ العلمانية المنهجية –وهذا لن نقبله أبدا-وفصلنا البلاغة عن الدين لقلنا إن مذهب السكاكي هو المذهب!

فهو الأقرب إلى الاعتبارين العقلي والنفسي من مذهب الجمهور ..

تفصيله:

قال ابن القيم عند ختام الوجه الخامس في إبطال المجاز:

( ... وإن أردتم الثاني فهو بناء على دلالة المركب تنقسم إلى حقيقية ومجازية، وهذا ينازع فيه جمهور القائلين بالمجاز ويقولون إن المجاز في المفردات لا في التركيب، إذ لا يعقل وقوعه في التركيب لأنه لا يتصور أن يكون للإسناد جهتان،إحداهما جهة حقيقة، والأخرى جهة مجاز بخلاف المفردات).

سبحان الله!

لقد أبطل هنا ابن القيم عقلا نظرية المجاز العقلي بهدوء شديد، ولو شئناها مدوية لقلنا إن قوله:

" لا يتصور أن يكون للإسناد جهتان،إحداهما جهة حقيقة، والأخرى جهة مجاز بخلاف المفردات"

صاعقة نزلت بالمجاز العقلي وتركته قاعا صفصفا!

لييان غور كلام ابن القيم سنبين أولا ما الاسناد ثم نشفعه ببيان استحالة وقوع التجوز فيه:

قال السيد في التعريفات:

"الإسناد: نسبة أحد الجزأين إلى الآخر، أعم من أن يفيد المخاطب فائدة يصح السكوت عليها أولاً. وفي عرف النحاه: عبارة عن ضم إحدى الكلمتين إلى الأخرى على وجه الإفادة التامة، أي على وجهٍ يحسن السكوت عليه. وفي اللغة: إضافة الشيء إلى الشيء."

"النسبة" و"الضم" و"الإضافة" ألفاظ مختلفة لكن مدلولها واحد وهوذلك الفعل العقلي الذي يربط بين الشيئين، وهو فعل يصعب التعبير عنه بدقة، كما هو الحال دائما عندما يتأمل العقل ذاته، أي حين يكون العقل هو الذات والموضوع معا!

"جاء الولد"

"لباس المرأة"

"انتهى الدرس"

تختلف كل عبارة عن الأخرى من حيث طرفي الإسناد ف"جاء" ليس"انتهى" و"الولد" ليس "المرأة" ... ولكن الفعل العقلي هو هو ..

فربط المجيء بالولد هو عينه ربط الانتهاء بالدرس ..

مبدأ الإسناد مثل مبدإ السببية وغيرها من المقولات العقلية:

" أحرقت النار الخشب "

" أطفأ الماء النار"

اختلف السببان والمسببان لكن مبدأ السببية هو عينه وبه نفسر آلاف الارتباطات دون أن يتكثر هو في نفسه.

كذلك الإسناد هو في ذاته لا يختلف من عبارة إلى أخرى، فالعقل "نسب" المجيء للولد و"نسب" اللباس للمرأة و"نسب" الانتهاء للدرس وهو أمر ذهني واحد لا ينبغي أن يتوهم فيه التعدد بسبب حصول التعدد في متعلقاته الخارجية.

وقد يتضح المقام لو استحضرنا معنى العلاقة (الدالة) في الرياضيات

ولو صغنا الجملة الإسنادية باللغة الرياضية لكان شيئا مثل هذا:

x fy

X هو المسند متغير بطبعه فهو مرة" جاء" وأخرى" انتهى" الخ ...

Yهوالمسند إليه متغير بطبعه فهو مرة" الولد" وأخرى" المرأة" الخ ..

Fهي علاقة الاسنادالثابتة

وهي أمر عقلي بحت، لا يوجد في الخارج، لكن العقل يوقعه وينظم به العالم فهو من قبيل الصور الذهنية عند"عمانويل كانط".

إذا تقرر هذا أدركنا استحالة دخول المجاز في الإسناد فهو في ذاته بسيط ذو جهة واحدة ولا يمكن أن نعتبر فيها جهة ثانية، بيد أن من شرط المجاز أن يكون في الأمر الواحد جهتان: جهة حقيقية وجهة مجازية ..

فكلمة"الأسد"تقبل الدخول في سلك المجاز لأن لها جهة حيوانية بالفعل وجهة إنسانية بالقوة فجاز استعمال جهة واعتبار أخرى .. والأمر شبيه بحالة "التورية"في علم البديع فلا تعقل التورية إلا في الكلمات المشتركة،وتستحيل في الكلمة ذات المعنى الوحيد لأن من طبيعة التورية أن تقرب معنى وتخفي معنى آخر فلا يتأتى هذا إلا في معنيين على الأقل ..

وكذلك المجاز هو كلمة واحدة لها معنى حقيقي ومعنى مجازي ... أي لا بد لها من وجهين .. فكيف يدخل المجاز في الاسناد وهو بسيط لا تعدد فيه!!

تذكر مرة أخرى قول ابن القيم:

" لا يتصور أن يكون للإسناد جهتان،إحداهما جهة حقيقة، والأخرى جهة مجاز بخلاف المفردات"

"جاء الرجل"

"جاء الملك"

القول بأن الإسناد الذي أوقعه العقل في الجملة الأولى مختلف عن الإسناد الذي أوقعه في الثانية مكابرة ... ولا يغير من الفعل العقلي كون المجيء في الجملة الثانية للملك أو لحاجبه.

وإذا أصر الناس على أن "جاء الملك" تعبير مجازي حقيقته جاء حاجب الملك قلنا: فليكن. ولكن يبحث عن المجاز في لفظتي "جاء" أو" الملك" فيلزمكم مذهب السكاكي إجمالا ...

حاصل الإشكال:

المجاز العقلي على مذهب السكاكي قادح في العقيدة

والمجاز العقلي على مذهب الجمهور لا يعقل!!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير