ذِكْرُ الْمُشَبَّهِ وَإِرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ هِيَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّوَازِمِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالرَّبِيعِ فِي أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ عِنْدَهُ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْبَاتِ يَعْنِي الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ بِقَرِينَةِ نِسْبَةِ الْإِنْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ بَلْ مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ اسْتِعْمَالِهِ فَيُقَالُ هَاهُنَا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ادِّعَاءٌ نَعَمْ مَذْهَبُهُ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَسُّفٍ وَهُوَ شَهِيرٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ.
لابد من وقفة لبيان مرمى قوله:
"فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ بَلْ مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ اسْتِعْمَالِهِ .. "ثم نعرج بعدها على كلام السعد في الموضوع ونختم بما يلزم عنه من شناعة عقدية.
هنا مقدمتان:
-مذهب السكاكي في المجاز العقلي هو إلغاؤه وإرجاعه إلى الاستعارة المكنية، فالمجاز في "أنبت الربيع البقل " ليس في الإسناد –وهو أمر عقلي-ولكن في كلمة الربيع-وهو أمر لغوي-
-المكنية عند السكاكي هي أن تطلق لفظ المشبه وتريد المشبه به،الغائب،ولكن المرموز إليه بأحد لوازمه ... ففي الشاهد التقليدي:
"المنية أنشبت أظفارها"
يزعم السكاكي أن الشاعر أطلق لفظ المشبه -وهو المنية –ولم يرد إلا المشبه به-وهو السبع-بدليل إسناد الأظفار ... فكأن المنية اسم من أسماء السبع ..
ما توجيه السكاكي إذن لقولك: "أنبت الربيع البقل "؟
بمقتضى المقدمة الأولى "الربيع"استعارة مكنية.
وبموجب المقدمة الثانية أطلق اسم الربيع وأراد به الفاعل القادر ..
الفاعل القادر تلطيف –انظر اللمعة4 - فليس المقصود منه إلا الله تعالى .. فيؤول الكلام إلى أمر مستبشع:
أطلق الربيع وأراد الله تعالى!!
لم يخف هذا على نقاده،فاعترضوا عليه بما شرحه السعد في مطوله:
"ويستلزم أن يتوقف نحو: أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ ... على السمع من الشارع لأن أسماء الله توقيفية لا يطلق عليه اسم لا حقيقة ولا مجازا ما لم يرد به إذن الشارع، وليس كذلك،لأن مثل هذا التركيب صحيح شائع ذائع في كلامهم سمع من الشارع أو لم يسمع .. "
ثم شرع السعد في الجواب على المعترضين قائلا:
وجوابه:أن مبنى هذه الاعتراضات على أن مذهب السكاكي في الاستعارة بالكناية أن تذكر المشبه وتريد المشبه به حقيقة،وهذا وهم لظهور أن ليس المراد بالمنية في قولنا:
"مخالب المنية نشبت بفلان" السبع حقيقة، بل المراد الموت لكن بادعاء السبعية له،وجعل لفظ المنية مرادفا للفظ السبع ادعاء، كيف وقد قال السكاكي في تحقيقه بأنا ندعي اسم المنية اسما للسبع مرادفا بارتكاب تأويل، وهو أن المنية تدخل في جنس السباع لأجل المبالغة في التشبيه.
وقال أيضا: المراد بالمنية السبع بادعاء السبعية لها، وإنكار أن تكون شيئا غير سبع، وحينئذ يكون المراد بعيشة صاحبها بادعاء الصاحبية لها وبالنهار الصائم بادعاء الصائمية له لا بالحقيقة حتى يفسد المعنى وتبطل الإضافة .... ولا يكون الربيع مطلقا على الله تعالى حقيقة حتى يتوقف على السمع،إذ المراد به حقيقة هو الربيع،لكن بادعاء أنه قادر مختار من أجل المبالغة في التشبيه، وهذا ظاهر."
لا يملك المرء إلا أن يتعجب من دفاع الماتريدي (أو الأشعري) على المعتزلي:
فهو ينزه صاحبه من الإلحاد في الأسماء ويورطه في شرك الربوبية القبيح؟
يستقبح مع الجمهور اعتبار الربيع اسما من أسماء الله (وهذا أهون!) ويصحح مذهب السكاكي بتوجيهه إلى أنه ادعى أن الربيع هو رب العالمين مبالغة في التشبيه (وهذه طامة!!)!!
اقرأ مرة أخرى قوله:
إذ المراد به حقيقة هو الربيع،لكن بادعاء أنه قادر مختار (=رب العالمين) من أجل المبالغة في التشبيه، وهذا ظاهر.
والراد والمردود عليه والمدافع كلهم من دعاة التنزيه فتأمل!
ـ[مهتاب]ــــــــ[18 - 10 - 07, 02:01 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخنا الفاضل
كتاباتكم تتسم بالأإصالة والعمق والدقة المتناهية، فأريد من فضيلتكم تزويدي بكل ما عندكم في " البلاغة"، أنا أحضر الدكتوراه في البلاغة وقرأت بعض كتاباتكم غير ما هو موجود في هذه الصفحة مثلاً كتابتكم حول قضية المجاز عند شيخي الإسلام رحمهما الله، فأعجبني كلامكم وكلام الأخ أبي مالك العوضي. لأنني ما رأيت في هذه القضية بحثاً مفصلاً -علما أن في مكتبتي كتيب الشيخ الشنقيطي رحمه الله وكتاب الدكتور المطعني-وقد أشرتم إليه وقلتم إنه حفظه الله من محبي شيخ الإسلام، وكتابه موجود عندي تصفحته عدة مرات فلا أرى لقولكم هذا وجهاً وإنما وجدت فيه تنقصاً كبيراً في شأنه وشأن تلميذه ابن القيم رحمهما الله. حفظ الله ألسنتنا من الفجور. وشكراً
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 - 10 - 07, 03:03 ص]ـ
أخي مهتاب ..
السلام عليكم ورحمة الله
يسرني جدا أن تهتموا بهذا العلم. وأتمنى أن يكون بحثكم نقدا وغربلة لأني أتصور أن الموروث البلاغي في حاجة ماسة إلى اختبار ومساءلة وفتح آفاق جديدة في البحث البلاغي بعدما سده القوم فلا تسمع إلا اجترارا حتى أنهم لا يجرؤون على التمثيل بغير ما تمثل به السابقون:فلا مكنية إلا بيت الهذلي ولا تصريحية إلا بيت زهير ..
أخي الكريم:
جل مراجع البلاغة يشبه بعضها بعضا ولم أجد بصيصا من الأصالة والاجتهاد إلا عند قليل جدا من الباحثين المعاصرين أذكر منهم د. لطفي عبد البديع و د. رجاء عيد.
أما الدكتور المطعني فهو كثير الانتاج لكنه للأسف كثير التقليد وكتابه الضخم في المجاز يستغنى عنه بصفحات قليلة من الايضاح وقد كان مضحكا حقا في منهجه "المحكمي"باستحضاره الشهود وتحرير المرافعات وكان مسرحيا-أكثر منه باحثا بلاغيا-عندما قال في آخره كتابه:
الرأي أو القرار أو الحكم
إن ظاهرة إنكار المجاز في اللغة وفي القرآن العظيم إنما هي مجرد شبهة كتبت لها الشهرة ولكن لم يكتب لها النجاح!!
واحسرتا على بؤس البحث البلاغي.!!
أما حبه لابن تيمية فهو في غير مجازه ذاك .. والرجل -حفظه الله-مدافع عن السنة ومناويء لاعدائها والله يحب الانصاف.
¥