تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأن كل واحد من هؤلاء العلماء انفرد برواية رواها، وبكلمة سمعها من العرب شفاهًا، ولم يأت في كتابه بكل ما في كتاب أخيه، ولا أقول تعاظم عن نقل ما نقله بل أقول استغنى بما فيه؛ فصارت الفوائد في كتبهم مفرقة، وسارت أنجم الفضائل في أفلاكها هذه مغرّبة وهذه مشرّقة؛ فجمعت منها في هذا الكتاب ما تفرّق، وقرنت بين ما غرّب منها وبين ما شرّق، فانتظم شمل تلك الأصول كلها في هذا المجموع، وصار هذا بمنزلة الأصل وأولئك بمنزلة الفروع، فجاء بحمد الله وفق البُغية وفوق المُنية، بديع الإتقان، صحيح الأركان، سليم ا من لفظه لو كان. حللت بوضعه ذروة الحفاظ، وحللت بجمعه عقدة الألفاظ، وأنا مع ذلك لا أدّعي فيه دعوى فأقول شافهتُ أو سمعتُ، أو فعلتُ أو صنعتُ، أو شددتُ أو رحلتُ، أو نقلتُ عن العرب العَرْباء أو حملتُ؛ فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائلٍ مقالًا، ولم يُخليا فيه لأحدٍ مجالا، فإنهما عيَّنا في كتابيهما عمن رويا، وبرهنا عما حويا، ونشرا في خطيهما ما طويا. ولعمري لقد جمعا فأوعيا، وأتيا بالمقاصد ووفيا.

وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمتُّ بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها، سوى أني جمعت فيه ما تفرَّق في تلك الكتب من العلوم، وبسطت القول فيه ولم أشبع باليسير، وطالِبُ العلم منهوم. فمن وقف فيه على صواب أو زلل، أو صحة أو خلل، فعهدته على المصنِّف الأوّل، وحمده وذمه لأصله الذي عليه المعول. لأنني نقلت من كل أصل مضمونه، ولم أبدل منه شيئًا،

فيقال http://lexicons.ajeeb.com/media/D01.GIF فإنما إثمه على الذين يبدلونه http://lexicons.ajeeb.com/media/D02.GIF بل أديتُ الأمانة في نقل الأصول بالفص، وما تصرفت فيه بكلام غير ما فيها من النص؛ فليعتدّ منْ ينقل عن كتابي هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة، ولْيَغْنَ عن الاهتداء بنجومها فقد غابت لما أطلعتُ شمسَه.

والناقل عنه يمد باعه ويطلق لسانه، ويتنوع في نقله عنه لأنه ينقل عن خزانة. والله تعالى يشكر ما له بإلهام جمعه من منة، ويجعل بينه وبين محرِّفي كَلِمِه عن مواضعه واقيةً وجُنَّةً. وهو المسؤول أن يعاملني فيه بالنية التي جمعتُه لأجلها، فإنني لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية؛ ولأن العالِمَ بغوامضها يعلم ما توافق فيه النيةُ اللسانَ، ويخالف فيه اللسانُ النيةَ، وذلك لِما رأيتُه قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنًا مردودًا، وصار النطقُ بالعربية من المعايب معدودًا. وتنافس الناسُ في نصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمنٍ أهلُهُ بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوحٌ الفلكَ وقومُه منه يسخرون، وسميته [لسانَ العرب] وأرجو من كرم الله تعالى أن يرفع قدر هذا الكتاب وينفعَ بعلومه الزاخرة، ويصلَ النفع به بتناقل العلماء له في الدنيا وبنطق أهل الجنة به في الآخرة؛ وأن يكون من الثلاث التي ينقطع عمل ابن آدم إذا مات إلا منها؛ وأن أنال به الدرجات بعد الوفاة بانتفاع كل من عمل بعلومه أو نقل عنها؛ وأن يجعل تأليفه خالصا لوجهه الجليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال عبد الله محمد بن المكرّم: شرطنا في هذا الكتاب المبارك أن نرتبه كما رتب الجوهري صحاحَه، وقد قمنا، والمنة لله، بما شرطناه فيه. إلا أن الأزهري ذكر، في أواخر كتابه، فصلا جمع فيه تفسيرَ الحروف المقطَّعة، التي وردت في أوائل سور القرآن العزيز، لأنها ينطق بها مفرّقة غير مؤلّفة ولا منتظمة، فتَرِد كل كلمة في بابها، فجعل لها بابًا بمفردها؛ وقد استخرتُ اللهَ تعالى وقدمتها في صدر كتابي لفائدتين: أهمهما مقدَّمُهما، وهو التبرك بتفسير كلام الله تعالى الخاص به، الذي لم يشاركه أحد فيه إلا من تبرك بالنطق به في تلاوته، ولا يعلم معناه إلا هو، فاخترت الابتداء به لهذه البركة، قبل الخوض في كلام الناس؛ والثانية أنها إذا كانت في أول الكتاب كانت أقرب إلى كل مُطالع من آخره، لأن العادة أن يُطالع أول الكتاب ليكشف منه ترتيبه وغرض مصنفه، وقد لا يتهيأ للمُطالع أن يكشف آخره، لأنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير