تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محمد البشير الإبراهيمي أمير البيان؛ كرائِم اللّغة وفصاحة اللّسان

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[07 - 01 - 08, 10:32 م]ـ

محمد البشير الإبراهيمي أمير البيان؛ كرائِم اللّغة وفصاحة اللّسان

أ. د. عبد الملك مرتاض

رئيس المجلس الأعلى للّغة العربيّة، سابقا

عضو المجلس الإسلاميّ الأعلى

«الشيخ البشير الإبراهيمي، قبل أن يكون مفكّراً مصلحاً، وسياسيّاً محنّكاً: كان أديباً شاعراً، وخطيباً مفوَّها؛ عالماً فقيهًا في العربيّة، خبيرًا بأسرارها، متضلّعاً في آدابها وفنونها».

عبد الرحمن شيبان)

مذهب الإبراهيمي في الكتابة

لم يكن محمد البشير الإبراهيميّ يكتب ما يكتب بمعزل عن تمثُّل أسُسٍ وضعَها لتُفرِّدَ طريقته في الكتابة الأدبيّة، وتُميّزَ أسلوبَه في نسْج اللّغة؛ فكان يمضي عليها في زَخْرفَة القول، وتَحْلِيَةِ الكَلام، فلم يكن يكاد يتجَانَفُ عنها فتيلاً. ولعلّ ذلك أن يبدُوَ من خلال أسلوبه في الكتابة الذي لم يكن يتغيّر أو يتبدّل مهما تكن الموضوعاتُ المعالَجة، والقضايا المتناوَلة؛ فسواءٌ عليه أكان يكتب عن قضايا اجتماعيّةٍ، أم سياسيّة، أم أدبيّة، فإنّ مستوى اللّغة ظلّ لديه هو هو، كما أنّ طريقة النسج باللّغة الرّفيعة ظلّتْ هي هي؛ حتّى إنّ الخبير بالأسلوبيّات يدرك بسهولة إذا قرأ نصّا غير معْزُوٍّ إليه، أنّه لمحمد البشير الإبراهيمي، لا لِسَوائه من الكتّاب. وأكبر أَمَارةٍ على عظمة المنزلة الأدبيّة لكاتب من الكتّاب، أنّه حين يغتدي معروفاً بأسلوبه بين الناس فتراهم يقولون: هذا أسلوب فلان، أو شبيه بأسلوبه، إذا حاكاه مُحَاكٍ في الكتابة، كشأن أبي عثمان الجاحظ، وبديع الزمان الهمذاني، وابن الخطيب الأندلسيّ، وسَوائِهم من عماليق البيان العربيّ الآسِر.

ولذلك نقرأ في «البصائر» الثانية كثيراً من المقالات، غيرَ معزُوَّةٍ لأيّ كاتب، فنعرف أنّها كانت لمحمد البشير الإبراهيمي، ولو لم يوقّعها باسمه؛ لأنّ نسْج اللّغة المتفرّدَ هو الذي كان يدلّنا على انتمائها إليه، ولو دُسّتْ لِكاتب آخرَ، على سبيل المغالَطة أو على سبيل التّمويه، لكنّا قضَيْنا، حتماً، بأنّها ما كانت إلاّ من بناتِ عُذْره. وإنّما ندرك ذلك من طبيعة كرائمِ اللّغة المنتقاة، ومن سحْر النسج الأسلوبيّ الْمُسْتَمِيزِ بشدّة الحركة، ورِفْعة اللّغة، وجمال الإيقاع، وتقابُل الجمل متسلسلةً منسابةً كالماء الزّلال، الصادر من الينبوع الثّرثار، لدى عرْض الألفاظ وتركيبها ...

ونحن نعتقد أنّ الإبراهيميّ، بما أُتيح لذاكرته من عُلُوقٍ مُدْهِشٍ بغريب العربيّة وألفاظها البعيدة عن التناوُل اليوميّ، لم يكن يصطنع في كتابته من تَالِكَ اللّغةِ المخزونةِ في ذاكرته العجيبة إلاّ نسبةً ضَئيلة قد لا تُجاوزُ الرُّبع ممّا يختزن؛ وذلك لإدراكه بأنّه لو استعملها كلَّها، كما كانت عالقةً بحافظته، لَمَا كان فهِمَ عنه كتابتَه إلاّ قليلٌ من المتلقّين، حتّى لا يقالَ عنه: لِمَ لا تكتُبُ ما يُفْهم؟ ...

ويثْبُتُ هذا الافتراضُ حين نستخلص من نصّ كتبه الإبراهيميّ، عن كثرة محفوظه من الشعر الجاهليّ عرَضاً، وهو في سنّ الثانية والعشرين.2 فلقد ذكر الشيخ أنّه التقى بالعلاّمة الشنقيطي، والشيخ عبد العزيز الرشيد الكويتيّ بالمدينة المنوّرة، فظلّوا شهراً كاملاً بها لا يفترقون إلاّ للنوم، قائلاً: «وكنّا للأُلْفة التي انعقدتْ بيننا، نتجاذب أطراف الحديث من مسابقات في حفْظ الشعر الجاهليّ ... ».3 ولنتمثّلْ رجُلاً يسابق أحمد أمين الشنقيطيَّ في حفظ الشعر الجاهليّ وهو في ريْعان الشباب! ...

وكان الإبراهيمي كثيراً ما يُهيب بالكتّاب الجزائريّين أن يَشْمَخِرّوا، ولو قليلاً، بلغتهم وأساليبهم، حتّى يكونوا في مستوى أسلوب «البصائر» ولغتها، أو قل على الأصحّ: في مستوى أسلوب محمد البشير الإبراهيمي ولغته، ولكنْ هيهات! ولذلك نُلفيه يحدّد لكتّاب «البصائر» مجالَين اثنين يضطربون فيهما، فمن خرج عنهما أسَفّ وتدنّى، فيقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير