تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طه عبد الرحمن والنقد الأخلاقي للحداثة]

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[27 - 10 - 07, 09:07 م]ـ

[طه عبد الرحمن والنقد الأخلاقي للحداثة]

يتفرد المنتوج الفكري الفلسفي للأستاذ طه عبد الرحمن عن نظيره العربي والمغربي شكلا ومضمونا ويبدو كمن يحلق بعيدا خارج السرب الحداثي العربي، فقد ساهم بدور بارز في تطوير الدرس الفلسفي والمنطقي ومجمل القضايا المتعلقة بفلسفة اللغة منذ انخراطه في تدريس الفلسفة في المغرب في نهاية الستينات من القرن المنصرم، وأثمرت جهوده مكاسب نظرية وعملية تبلورت في الآونة الأخيرة في مجال الآليات المنهجية المنتجة للخطاب الفلسفي، وتدلل مؤلفاته التي أنجزها خلال العقود الثلاثة الماضية على الجهد العميق المبذول في بلورة اختياراته الفكرية والفلسفية والإخلاص المتفاني في البحث عن سبل استئناف التحرير والتنوير من أجل الدخول بقوة في أفق النهضة وروح الحداثة المفقود منذ قرون، توجهت إصداراته الأولى إلى مجال اختصاصه الأصلي وهو المنطق وفلسفة اللغة وكان مصنفه "اللغة والفلسفة" باكورة إنتاجه في نهاية السبعينات أعقبه بكتابه "المنطق والنحو الصوري" إلا أن نهاية عقد الثمانينات شهدت انطلاقته الكبرى وكشفت عن قدراته السجالية المذهلة في نقد التصورات السائدة في الفكر العربي، ظهر ذلك جليا في مصنفاته "في أصول الحوار وتجديد علم الكلام" و"العمل الديني وتجديد العقل" و"تجديد المنهج في تقويم التراث"، وفي التسعينات توجهت عنايته إلى إعادة الاعتبار للقول الفلسفي من خلال مؤلفاته الموسوعية لمشروعه "فقه الفلسفة" صدر الأول بعنوان فرعي "الفلسفة والترجمة" والثاني بعنوان "القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل" وأصدر بينهما كتاب "اللسان والميزان أو التكوثر العقلي"، وتأتي مؤلفاته الأخيرة التي جاءت مع مطلع الألفية الجديدة في سياق النقد الأخلاقي للحداثة من خلال استثمار ولفت الانتباه وإعادة الاعتبار لأهمية التجربة الأخلاقية في التصدي للنزعات المادية الجاهلة والغافلة للعقل الحداثي المجرد، واستبداله بالعقل المؤيد باعتباره أعلى مراتب العقل القادر على إضفاء المعنى في شؤون الفكر والحياة، ويمكن القول ان كتابه "سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية" أحد أهم المساهمات النظرية المفتاحية التي تمكن من قراءة المشروع الطاهائي، وتعتبر مؤلفاته اللاحقة شروحا وتوسيعا لمجمل أطروحاته في "سؤال الأخلاق" دون التقليل من عناصر الجدة والعمق والإبداع التي تتحكم في إنتاجه والصرامة والدقة المنهجية وكفاءته الإنشائية الرفيعة وأسلوبه المتفرد بين معاصريه، وهذه المؤلفات هي "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" و"الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" وأخر ما أصدره كتاب "روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية"، وتكشف المؤلفات التي أنتجها طه عبد الرحمن عن دقة متناهية وقوة فائقة في الاستدلال والاستشكال وتتضمن مشروعا فكريا ثريا في نقد التيارات التقليدية والحداثية السائدة في العالم العربي داعيا إلى الانتصار للفكر الفلسفي المبدع.

ينطلق عبد الرحمن في مشروعه النقدي من فكرة جوهرية بلورها في مقدمة كتاب "العمل الديني وتجديد العقل" قوامها المساهمة في التأسيس النظري لليقظة الدينية من خلال بناء وتركيب سندها الفكري والفلسفي المؤسس على الفكر العلمي المحرر على شروط العقلانية المعاصرة، وتخليصها من آفة الغلو في الاختلاف المذهبي الذي نتج عن الغفلة والنسيان لدور التغلغل والدخول في التجربة الإيمانية الحية التي تحمل الإنسان على الترفع عن النزاعات والصراعات المذهبية الضيقة، ولهذا فان الحركات الإسلامية المعاصرة تتميز بكونها حركات بدون إطار تنظيري ومنهجي محكم، وتفتقد إلى "تبصير فلسفي مؤسس"، ولا بد من الشروع في عملية التجديد المنتظر من الأمة الإسلامية بتحقيق شرطيها الأساسيين وهما: شرط الدخول في التجربة الإيمانية التي تمكن من النفاذ إلى عمق الذات للوصول إلى عملية التخلق، وشرط مباشرة التعقل المبني على استيعاب أدوات النظر المنهجي الذي يمكن من تجدد السند العقلي، وبدون هذين الشرطين لا سبيل إلى بناء فكر ديني متجدد يتسم بخاصية الشمول والتكامل، فالعقلانية الأسمى لا يمكن الظفر بها من خلال المقاربات الاختزالية التفاضلية والتجزيئية لمعطيات الفكر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير