تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلمة للشيخ البشير الإبراهيمي عن الشيخ محمد نصيف]

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[10 - 01 - 08, 02:17 ص]ـ

وهذه مقالة جاءت في 4/ 122 - 125 من آثار الإمام البشير، وهي في أصلها كلمة ألقاها الشيخ البشير الإبراهيمي - رحمه الله - في الحفل العلمي التكريمي الذي أقامه له الشيخ محمد نصيف - رحمه الله - في بيته في جدة في أكتوبر 1952م، بمناسبة انتهاء زيارة الإبراهيمي للملكة العربية السعودية.

وفي هذه الكلمة تحدث الإبراهيمي عن الشيخ محمد نصيف، وعن صداقته له، وتحدث - أيضاً - عن بعض نظراته في الصداقة، وطريقة معاملته لأصدقائه إلى غير ذلك مما ورد.

وهذه الكلمة جاءت في الآثار حاملة المسمى التالي:

(الشيخ محمد نصيف)

وهذا نصها:

أيها الإخوان:

إن هذه الحفلات التي تقام لتوديع الأصدقاء أو لاستقبالهم، وغير هذا من المناسبات الاجتماعية - هي من دواعي الفطر السليمة، والنفوس الكريمة.

وإن الصداقة قد تخمد والمودة قد تركد، وإنما يصقلها ويجددها مثل هذه الحفلات …

وإن إقامة هذه الحفلات ليست من ابتكار المدنية الغربية، وإنما قد سبقتهم إليها مدنية الإسلام، وإن الذين ابتكروها هم الأسلاف من أهل الأندلس، وقد سمّوها ((صنيعاً)).

أيها الإخوان:

رؤوس الأموال أنواع، وحظوظ النفس منها متفاوتة: منها المادي الذي يقدر بخصائص الماديات من الكيل والوزن، أو بالذرع والمسح، أو بالعدد الذي كلما انتهى صارت ملايينه آحاداً.

ومنها المعنوي الروحاني الذي يقاس بالموازين الروحية، ويوازن بالقيم العلوية بمعرفة صيارفةٍ من طراز سماوي يتسامى عن المادة وأوضارها، وأكدارها، وشرورها، وآثامها.

ولو خُيِّر موفق بين الجنسين لما اختار المادة، وإن تعرضت بزخارفها، وعرضت بقطوفها الدانية لخارفها، وإنما يختار أقوات الروح من المعنويات.

ولكن الأذواق كالأرزاق منها الحلال ومنها الحرام، ومنها السالم والمعتل، ومنها السديد والممتل.

إن الموفقين لَيعرفون أن رؤوس الأموال المادية كرؤوس الشياطين، تتحرك قرونها للفتنة والشر، ويستمس حَرَوْنها للفساد والضر.

وقد صرنا إلى زمان أصبحت فيه رؤوس الأموال المادية مبعث شقاءٍ للإنسانية، وكفى بحال العالم اليوم شاهداً أدى وسجل وأمن التجريح.

أيها الإخوان:

من سعادة أخيكم هذا أنّ حظّه من هذه الثروة المعنوية موفور، وأنه يكاثر بها ويفاخر، ويعتز بها ويغالي، ويعتد ويقالي، وحَسْبُه من الحظوظ في الحياة أن يكون له أصدقاء أصفياء من هذا الطراز، يصدقونه المحبة، والمحبةُ ملاك، ويصدقونه الهوى، والهوى مسَّاك، ويمحضونه التقدير، والتقدير مِسَنّ، ويشاركونه في المبدأ، والمبادئ أرحام عند أهلها.

وما لي لا أكون موفور الحظ من هذه الثروة وهؤلاء الإخوان الذين أجتلي غررهم، وكأنما أستشف من وراء الغيب سرائرهم ما اجتمعوا إلا بسائق واحد ليس من حدائه نغم الرغبة والرهبة، ولا هرج الرياء والنفاق، وإنما هو الوداد الخالص والصفاء الصافي، والتكريم لأخٍ أحبهم وأحبوه في المشهد والمغيب، والتقوا به في ميدان القلم بعيداً، وفي ميدان اللسان قريباً؛ فكان بين أرواحهم وروحه تجاوب هو من أثر يد الله في الأرواح المتعارفة.

أيها الإخوان:

إن من مذاهبي التي انتهتْ بي تجارب الحياة إليها أنني لا أفهم الصداقة كما يفهمها الناس، وإنما أفهمها امتزاجاً فكرياً سَبَّبتْهُ عوامل خفية المسارب في الجَبَلّة الأولى؛ ولذلك فأنا أفهم أن الصداقة لا تزول ولا تنتهي بعداوة من الجانبين، فإن انتهت بعداوة من الطرفين دلّ ذلك على أنها ليست صداقة، وإنما هي شيء مقنّع يسميه العرف المنافق المتساهل صداقة وليس بها، إنما هو تجارة انتهت بانتهاء المصلحة، أو زواج متعة انتهى بانتهاء الأجل.

أما الصداقة الطاهرة البريئة فهيهات أن تنتهي بعداوة.

ولقد يعرف مني إخواني الملابسون لي أني لم أُعادِ في عمري صديقاً، فإذا بادأنِي بالعداوة لم أُجارِه في ميدانها خطوة، ووكلته إلى الزمان الذي يقيم الصّعْر، فإذا هو تائب منيب، أو خجلان متستر.

وقد يسبني أقوام في ما ليس فيّ، فلا أقطع عنهم عادة من عوائد البر والرفق؛ لعلمي أنهم إنما يسبون غيري بعد أن يلبسوه اسمي، وإن هذا لمن طوابع التربية المحمدية، بين أتباع سنته، عبر عنها بجملة من جوامع كلمه: ((إنهم يقولون مذمم وأنا محمد)).

أيها الإخوان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير