تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا كانت الصحافة هي المهنة التي أحبها علي الطنطاوي، فإن التعليم هو العمل الذي ملأ حياته كلها، لقد كان يقول عن نفسه إنه أقدم المعلمين في الدنيا أو من أقدمهم. وكيف لا يكون كذلك وهو قد بدأ بالتعليم ولما يزل طالباً في المرحلة الثانوية؟! لقد بدأ بالتدريس في المدارس الأهلية بالشام، في الأمينية والجوهرية والكاملية، وهو في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة ممن عمره في عام 1345 هجرية، وقد طبعت محاضراته التي ألقاها على طلبه الكلية العلمية الوطنية في دروس الأدب العربي عن بشار بن برد في كتاب عام 1930م - أي حين كان في الحادية والعشرين من العمر.

بعد ذلك صار معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة 1931م حين أغلقت السلطات جريدة "الأيام" التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في الابتدائي إلى سنة 1935م. وكانت حياته في تلك المدة سلسلة من المشكلات؛ بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة، فما زال يُنقَل من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، حتى طوف بأرجاء سوريا جميعاً: من أطراف جبل الشيخ جنوباً إلى دير الزور في أقصى الشَّمال والشرق، ولكن شيئاً من ذلك لم يصرفه عن التعليم، أو يقعد به عن المضي فيه، اقرؤوا كيف وصف في ذكرياته [12] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn12) تنقله بين المدارس في القرى، وفي الجبال وفي الحرّات، في أيام القُرِّ وفي أيام الحر، يخوض في الثلوج وينام مع العقارب. صور لو قرأها فتيان اليوم لعجبوا كيف يطيقها إنسان، ولكننا نجده ماضياً بعزيمة وهمة لا يني ولا يكل [13] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn13).

لقد بدأ جدي التعليم مدرساً في المدارس الابتدائية في القرى، وقد انطلق إلى هذا العمل مشحوناً بحماسة ندَر أن نجد لها مثيلاً لدى معلم صبيان. ولكن طموحه كان أكبر من تعليم صبيان، كان - أبداً - يريد أن يصب ما في رأسه من علم، أو في جَعبته من إبداع حيث عمل، ومع أي أناس اشتغل. ها هو ذا يقول عن عمله مع تلاميذ المدرسة الابتدائية بقرية سلمية التي علم فيها سنة 1932م: "وكنت - من حماستي، ومما وجدت من ذكاء التلاميذ وحسن استجابتهم ورغبتهم في الاستفادة والتحصيل - أريد أن أجعل منهم كُتّاباً وخطباء، وجعلت من دروس التاريخ محاضرات وطنية، لا مجرد معرفة بأحداث الماضي" [14] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn14).

ولما نقل إلى قرية سقبا - من قرى الغوطة، قرب دمشق - في السنة التالية صار مسؤولاً عن مدرسة ابتدائية فيها أكثر من مئة من التلاميذ [15] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn15).

بعد ذلك انتقل إلى العراق - عام 1936م - مدرساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية، ودار العلوم الشرعية في الأعظمية - التي صارت كلية الشريعة - ولكن روحه - الوثابة التي لم يتركها وراءه حين قدم العراق - وجرأته في الحق - ذلك الطبع الذي لم يفارقه قط - فعلا به في العراق ما فعلاه به في الشام، فما لبث أن نُقل مرة بعد مرة، فعلَّم في كركوك في أقصى الشَّمال وفي البصرة في أقصى الجنوب. وقد تركت تلك الحقبة في نفسه ذكريات لم ينسها، وأحب بغداد حتى ألَّف فيها كتاباً [16] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn16). وكانت تجربته في التعليم الثانوي هناك مختلفة عن تجربته في التعليم الابتدائي في الشام أيما اختلاف، فقد انتقل من تلقين تلاميذ صغار محدودي الإدراك إلى تعليم طلاب كبار يتلهفون للتَّلقي والتعلُّم، فتفجرت قريحته ونَثَر ذخائر علمه بدون حساب [17] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1797#_ftn17).

بقي علي الطنطاوي يدرس في العراق حتى عام 1939م، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرساً في الكلية الشرعية فيها عام 1937م.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير