وقد اتفق على وقف الحديث عن شعبة أصحابه الكبار الثقات الحفاظ: أبو داود الطيالسي، ووكيع -وهو أحفظهم وأثبتهم-، وعلي بن الجعد،
قلت: يفهم من هذا الكلام أن هؤلاء من كبار أصحاب شعبة ولا أراك تريد ذلك فإن وكيعا وابن الجعد لا أعلم من ذكرهما في أصحاب شعبة وإن كان حافظين وأبو داود مكثر عن شعبة عالم بحديثه وليس بالمقدم في أصحابه وله عنه أوهام
المراد بقولي: (أصحابه): الرواة عنه هاهنا حسبُ، لا المختصين به الحافظين لحديثه، ويدل لذلك أني قلت في وكيع: (وهو أحفظهم وأثبتهم)، ولا شك أن وكيعًا غير مشهور في حفاظ حديث شعبة، فلا يصح إطلاق أنه أحفظهم وأثبتهم، وإنما المراد: أنه أحفظ من روى هذا الحديثَ عن شعبة موقوفًا وأثبتهم.
وللفائدة:
فقد قال أحمد -في رواية ابن هانئ-: (ما في أصحاب شعبة أقل خطأ من محمد بن جعفر)، قيل له: ولا وكيع؟ قال: (وكيع كان أورع القوم)، قيل: ولا يحيى بن سعيد؟ قال: (لا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد، وما رأيت أحدًا ممن أدركنا كان أحفظ للحديث من وكيع).
كما فضَّل ابنُ معين عليَّ بن الجعد في كتابة مسند شعبة على آدم بن أبي إياس، بعد أن كان ساوى بينهما في الثقة، وقال فيه: (علي بن الجعد أثبت البغداديين في شعبة)، وفي رواية: (ما روى عن شعبة أثبت من هذا) يعني عليًّا، قال الراوي: أراه يعني من البغداديين.
والقصد أن الاثنين ربما عُدَّا في أصحاب شعبة الأثبات.
والقرائن متظافرة على تخطئة قبيصة في هذه الرواية:
1 - فعبدالرزاق ثقة حافظ.
2 - وقبيصة ضعيفٌ في الثوري، وله أغلاط وأخطاء عنه.
قلت: عبد الرزاق ثقة حافظ صحيح لكنه في سفيان وقبيصة في طبقة واحدة نص على ذلك شيخ الصنعة ابن معين
هذا النصُّ في مقارنة نسبيَّة، وهذا النوع من النصوص يؤخذ في سياقه فحسب.
فأما نص ابن معين، فقد قال: (أما عبدالرزاق، والفريابي، وعبيدالله بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وأبو عاصم، وقبيصة، وطبقتهم؛ فهم كلهم في سفيان قريب بعضهم من بعض، وهم دون يحيى بن سعيد، وعبدالرحمن بن مهدي، ووكيع، وابن المبارك، وأبي نعيم).
فابن معين كان -فيما يظهر- يقارن بين طبقتين من أصحاب الثوري، فجعل عبدالرزاق ومن معه في طبقةٍ قريبًا بعضهم من بعض، وجميعًا دون يحيى وابن مهدي ووكيع وهؤلاء.
وهذا لا شك فيه في هذه المقارنة بهذا السياق، وأما لو كانت المقارنة بين الطبقة الأولى حسب، وساوى بينهم ابن معين؛ كان ذلك دالاًّ على مرادك.
ولهذا تراه نصَّ على أن تلك الطبقة "قريب بعضهم من بعض" ولم يفاضل أو يساوِ بينهم، وهذا دليل على أنه لم ينتصب ابتداءً للمقارنة بين عبدالرزاق ومن معه، ولم يعط حكمًا دقيقًا عليهم؛ لأنه كان يريد أنهم في طبقةٍ دون الطبقة الأولى من أصحاب الثوري، وهم فيما بينهم متفاوتون.
وقد جاء في رواية ابن محرز أن ابن معين سئل عن أصحاب سفيان، فقال: (المشهورون: وكيع، ويحيى، وعبدالرحمن، وابن المبارك، وأبو نعيم؛ هؤلاء الثقات)، قيل له: فأبو عاصم، وعبدالرزاق، وقبيصة، وأبو حذيفة؟ قال: (هؤلاء ضعفاء).
ولا شك أنه لا يقصد ضعفهم المطلق، وإنما ضعفهم في الثوري بالنسبة إلى الأوائل.
وقد جاء في نصٍّ آخر من رواية الدارمي عن ابن معين أنه سأله عن كثيرٍ من أصحاب الثوري، وفيه أنه جعل عبدالرزاق مثل قبيصة والفريابي، وجعل هذين مثل عبيدالله، وجعل عبيدالله مثل يحيى بن يمان، وحكم على ابن يمان في الثوري بقوله: (أرجو أن يكون صدوقًا).
وهذا -فيما أرى- مثل الأول في تعداد طبقات الرواة عن الثوري، وليس في المقارنة المفصلة بين عبدالرزاق وقبيصة، وأحسب أنه لو قارن بينهما حسبُ؛ قدَّم عبدالرزاق، والله أعلم.
تفرد به عن عمرو بن قيس -فيما وجدت-: أسباط بن محمد، وأسباط بن محمد وثقه ابن معين في رواية، وقال في أخرى: (ليس به بأس، وكان يخطئ عن سفيان)، وقال في أخرى: (الكوفيون يضعِّفونه، وهو عندنا ثبت فيما يروي عن مطرف والشيباني)، فكأن توثيق ابن معين متجه في المقام الأول إلى روايته عن هذين فقط، وقال أبو حاتم: (صالح)، وقال النسائي: (ليس به بأس)، وقال يعقوب بن شيبة: (ثقة صدوق)، وغالبًا ما يقصد يعقوب بالثقة حال ركَّب عبارتَي تعديل: الثقة والصلاح في الدين، وقال ابن سعد: (كان ثقة صدوقًا، إلا أن فيه بعض الضعف) وقال العجلي: (لا بأس به)، وقال العقيلي: (ربما يهم في الشيء).
¥