قلت: أراك استوعبت قول الأيمة فيه فليتك ذكرت ثوثيق أبي داود له وقول الدارقطني إذ ذكره في السنن هو وحفص بن غياث وأبا أسامة وقال هم أثبات وهذا مما يرفعه في الرواية
لم أقصد الاستيعاب، ولا شك أنَّه موثَّق، والقصد خلاصة الحكم فيه.
وكلمة الدارقطني أدمج فيها أسباط مع حفص وأبي أسامة، ومثل هذا لا أراه يؤخذ منه الحكم على الراوي مفصلاً؛ لأن مثل هذه العمومات ربما تسمَّح فيها الأئمة.
ويُلحظ أن ابن سعد ذكر بعض الضعف في أسباط، وقد كان من تلامذته والرواة عنه.
وروايته هذه عن عمرو بن قيس لا بأس بها، وليست بتلك القوية.
قلت: يظهر لي أخي الكريم أن مثل هذا القول يقال في الراوي لا في المروي فإن الرواية إما أن تكون لا بأس بها محفوظة يحتج بها وإما أن تكون ليست بالقوية غير محفوظة لا يحتج بها
هي من بابة (حسن صحيح)، و (حسن غريب)، ونحوها من تراكيب الأحكام المعروف إطلاقها على الروايات.
ومرادي: أنها ليست بتلك القوية المحتج بها، ولا بذات البأس الضعيفة المردودة، وهي في منزلة الرواية الصالحة.
أخرجه محمد بن الفضل بن نظيف في حديثه عن أبي الفوارس الصابوني وغيره من الشيوخ (25/ترقيم جوامع الكلم)،
قلت: هذه فائدة ليتك تذكر لنا شيئا عن المؤلف والمؤلف
أما المؤلِّف فهو من المشايخ المسندين، ممن تفرد في وقته بعلو الإسناد، وهو مترجم في السير (17/ 476).
وأما المؤلَّف؛ فجزء فيه ما يربو على 70 حديثًا -حسب ترقيم جوامع الكلم-، يروي فيه عن العباس بن محمد الرافقي، وعن أبي الفوارس، وغيرهما.
وتجده في جوامع الكلم مسمًّى خطأً: (حديث أبي الفوارس الصابوني)، وأدمج فيه جزء آخر خطأً أيضًا (والجزء المدمج هو الجزء الأول من حديث الإمام علي بن المديني -كما في المعجم المفهرس لابن حجر-، ووقفت فيه على "باب من حلف على يمين"، أسند فيه كثيرًا من طرق حديث: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها ... "، وتكلم على بعضها).
في إسناده سليمان بن عبيدالله الرقي، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: (ما رأينا إلا خيرًا، صدوق).
قلت: هل هو ممن يحتج به عندك
لا، ما لم يتابع.
وفيه عبيدالله بن عمرو الرقي، وفيه كلام، وكان راويًا لزيد بن أبي أنيسة.
قلت: وهل الكلام فيه معتبر ثم إن رواية زيد علقها البخاري والدارقطني وما مرضا فيها القول
نعم، له أخطاء.
وهو وإن كان راوية زيد بن أبي أنيسة؛ إلا أن مثل هذا الحديث يحتاج أسانيد محفوظة ظاهرة الصحة؛ لسهولة الخطأ فيه، ودقة الصواب.
وتعليق البخاري والدارقطني لا أراه يعني تصحيح الرواية أو قبولها، وإنما هو شيء وقع لهما.
وإلى جانب اتفاق هذين الحافظين؛ فإن في رفع الحديث سلوكًا للجادة، واتباعًا للطريق المعروفة، ورواية عبدالرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مرفوعًا من الروايات المشهورة، والجوادِّ المسلوكة، وجاء بهذا الإسناد غيرُ حديثٍ مرفوع، وغيرُ خافٍ أن مخالفة الجادة من قرائن الضبط والحفظ عند الأئمة.
قلت: كلام متين غير أني أقدر أن ثبوت الرفع محتمل إذ مالك وابن قيس حافظان وتابعهما جماعة واحتمال أن الحكم كان يرفعه وارد
وارد بلا شك، ولا أراه يخفى على الدارقطني حين رجح الوقف، وأرى ترجيحه أصح وأثبت؛ فراويا الوقف إمامان مقدَّمان على غيرهما في الحكم وفي غيره، وإن اجتمع غير واحدٍ من الشيوخ على خلافهما. وترجيح خلاف روايتهما يفتقر إلى أن يخالفهما مثلُهما من الحفاظ.
وللدارقطني ترجيحات بتصحيح الوجهين عن الحفاظ، وباحتمال كون الراوي يرفع ويقف، ويصل ويرسل، لكنه ما رأى هذا راجحًا هاهنا.
وأما تخريج مسلم بن الحجاج -رحمه الله- للحديث؛ فالظاهر أنه أخرجه شاهدًا لا أصلاً، واعتماده على حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي فيه التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين.
قلت: ويحتمل أنه خرجه أصلا لاختلاف الصيغة وقد صححه مرفوعا ابن حبان وأبو نعيم والبغوي والله أعلم
هو محتمل، وإن كان أقرب -فيما أرى- أن اعتماد مسلم على ما قدَّمه في بابه، خاصةً أنه أخَّر هذا الحديث حتى جعله أحدَ آخر حديثين في الباب.
والمعتبر -في نظري- في مقابلة ترجيح الدارقطني مما ذكرتَ من مصححي رفعه: تصحيح مسلم حسب.
على كل بحثك أضبط وأمتن عبارة وأحسن سياقة بارك الله لك
¥