بقي معنا الإشارة هل الترك يسمى فعلا؟ ترك، ترك الشيء هل نسميه فعلا؟ قال العلماء: نعم يسمى فعلا كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فسمى عدم تنهاهيم سماه فعلا كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وفي البيت المشهور:
لئن قعدنا والنبي يعمل
فذاك منا العمل المضلل
فسمى -بيت الشعر- سمى القعود وعدم العمل سماه عملا.
لئن قعدنا والنبي يعمل
فذاك منا العمل المضلل
بقي معنا الإشارة -أيها الأخوة- إلى مسألة وهي الشيء إذا توافرت الدواعي على فعله ثم لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يفعله أصحابه، هل يدل ذلك على عدم المشروعية، وهي قاعدة مشهورة، فلها وصفان أو شرطان:
الشرط الأول أن الدواعي متوفرة تستدعي هذا الشيء.
الثاني أنهم فهموا ما فعلوه مع قدرتهم على ذلك.
فإذا كانت الدواعي متوفرة، والصحابة -رضي الله عنهم- والنبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ما فعلوا هذا الشيء فإنه يدل على عدم المشروعية، مثال ذلك الاحتفال بالمولد، فنقول: إن الدواعي متوفرة، وهي حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه متوفرة الدواعي، فلما لم يفعله الصحابة دل على عدم المشروعية.
أيضا الآذان لصلاة العيد، ولهذا معاوية -رضي الله عنه- أحدث نداءً لصلاة العيد فأنكر عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، نقول الآذان لصلاة العيد، نقول الدواعي متوفرة. ما هي الدواعي؟ اللي هو دعوة الناس لصلاة العيد، الدواعي متوفرة، دعوة الناس لصلاة العيد، فلما لم يفعل دل على أنه غير مشروع، وهكذا كل ما كانت الدواعي متوفرة والأسباب موجودة تقتضي هذا الشيء، ثم لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا فعله أصحابه فإنه يدل على عدم مشروعيته.
بقي معنا الإشارة، هل الترك يخصص العام؟ نقول: نعم، الترك يخصص العام، مثال ذلك أن المسلم يجب تغسيله وتكفينه، كل مسلم إذا توفي يجب تغسيله وتكفينه ودفنه، كل مسلم، فلما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- تغسيل شهداء أحد دل على أنه مخصص لهم، جاء في الحديث: زملوهم في ثيابهم لكن حتى ولو لم يأتِ هذا الحديث تركه لغسل شهداء أحد، دل على أنهم مخرجون من العام، مخرجون من العموم فلا يتناولهم اللفظ العام.
بقي معنا المسألة الأخيرة، وهي ترك بيان الحكم، هل يدل على عدم الوجوب؟ ترك بيان الحكم، هل يدل على عدم الوجوب؟ إذا صحابي أحد الصحابة -رضي الله عنهم- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، ثم أجابه ولم يبين له أمراً آخر مما هو متعلق بهذا، فهل نقول هذا الشيء الذي لم يبينه له يدل على أنه غير واجب؟ هل يقال ذلك؟
للعلماء كلام في هذه المسألة، لكن نقول: أقوى ما يكون، أقوى ما يكون إذا كان السائل لا يعلم الحكم، لا يعلم الحكم أصل المسألة، فبالتالي يكون عدم بيان الحكم يدل على عدم الوجوب، مثال ذلك حديث يعلى بن أمية في الرجل الذي جاء يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما أحرم في جبة متضمخًا بطيب، فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فتركه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى جاءه الوحي ثم قال: أين الرجل؟ فجيء به، فقال: فهذا الرجل واضح أنه لا يعلم الحكم؛ لأنه لابس المخيط، ما يعلم الحكم أبدا، فقال: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة التي عليك فاخلعها، ثم اصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك. هو محرم، ودخل في النية، دخل في النسك، لكنه لابس المخيط ومتطيبا.
قال العلماء: فلم يوجب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كفارة، أي الفدية، فدل على أنها لا تجب عليه؛ لأنه جاهل بالحكم، لا تجب عليه؛ لأن هذا ما كان يعلم الحكم أصلا، حتى أصل الحكم ما يعلمه، فهذا أقوى ما يكون أن عدم بيان الحكم يدل على عدم وجوب الكفارة.
النوع الثاني إذا كان عنده شيء، عنده معرفة بأصل الحكم، مثال ذلك: الرجل الذي جاء يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: هلكت وأهلكت، فقال: ما صنعت، قال: وقعت على أهلي وأنا صائم، فقال: أعتق رقبة، قال: لا أستطيع، قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكينا إلى آخر الحديث، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث ما أوجب على زوجته، فهل يدل عدم إيجاب الكفارة على الزوجة على أنها لا تلزمها ولا تجب عليها؟ هذا يختلف، هذا الحديث عن حديث يعلى بن أمية في الحديث السابق، حديث يعلى بن أمية -يعني- أقوى في الدلالة؛ لأنه -يعني- لا يعلم الحكم أصلا، أما هذا فعنده معرفة أن هذا حرام عنده، معرفة أن هذا حرام، ولهذا جاء فزعا ويقول: هلكت، وهو يعلم لكنه لا يعلم، ما الذي يجب عليه.
فعدم إيجاب الكفارة على الزوجة في حديث وقاع الأعرابي، يعني عدم الإيجاب أقل قوة من عدم الإيجاب في حديث يعلى بن أمية.
نكتفي بهذا أيها الأخوة، نقف على باب النسخ إن شاء الله.
¥