بقي الإشارة إلى حجية قول الصحابي، أولا: لا بد من تحديد محل النزاع في المسألة، وتحديد محل النزاع في أي قضية يا إخوان هو من أهم الأمور، لا بد أن يحدد محل النزاع.
يقول العلماء: تحديد محل النزاع فائدته حتى يتوارد النفي والإثبات على محل واحد؛ لأنه إذا ما حدد محل النزاع ينتشر القول، هذا يذهب إلى جهة وهذا يذهب إلى جهة، فلا بد من تحديد محل النزاع، أنا أريد بهذا الشيء كذا، والآخر يقول: أنا أريد بهذا الشيء الذي تقصده أنت.
مثال ذلك مثلا فيما إذا لم يحدد محل النزاع: لو أن إنسانا مثلا سأل عن حكم زكاة الحلي "مسألة خلافية" فلا بد من تحديد محل النزاع فيها، كيف نحدد محل النزاع؟ نقول: الحلي المعد للاستعمال، لكن الحلي المعد للتجارة، هل هو يعني يدخل معنا في هذه المسألة؟ لا، هذا خلاف في باب آخر، إذن معناها تحديد محل النزاع في وجوب زكاة الحلي أو عدم وجوبه، هو في الحلي المعد للاستعمال، ولا نقول الحلي المستعمل، قد يكون جديدا لكن في نيتهم أن يستعملونه أيضا، فلا يفيد على القول بوجوبه، على القول بوجوب الحلي، تجب فيه، فلا بد من تحديد محل النزاع، فتحديد محل النزاع نقول: هو ما إذا صدر من الصحابي قول أو فعل ولم ينتشر بين الصحابة، ولم ينقل خلاف بينهم، فهل يكون هذا القول حجة على من بعد الصحابة؟ ونعلم أنه ليس حجة على صحابي آخر، لكن هل يكون حجة على من بعد الصحابة أو ليس بحجة؟ وقلنا إنه لم ينتشر بينهم، لو انتشر بينهم مثلا وما نقل خلاف، يكون من أي باب؟ يكون من باب الإجماع، فلا بد من تحديد محل النزاع.
إذا نقل عن الصحابي قول أو فعل، ولم ينتشر ولم ينقل عن أحد من الصحابة، خلاف لو نقل عن بعض الصحابة خلاف هذا القول، ماذا يكون حكم من بعدهم؟ الترجيح، الترجيح بين أقوال الصحابة، فإذن هذا تحديد محل النزاع. والمسألة خلافية بين العلماء، والراجح أنه حجة وهو قول الإمام أحمد، ونُسب لمالك وهو مذهب الشافعي في القديم، وإن كان الشافعية يقولون: إن مذهب الإمام الشافعي الجديد: إنه لا يحتج بقول الصحابة.
لا، ابن القيم -رحمه الله- يقول: حتى مذهب الشافعي في الجديد: أنه يحتج بقول الصحابي. وإنما توهم ذلك توهما أن الشافعي -رحمه الله- لا يحتج بقول الصحابي، لما رأوه إذا ذكر قول الصحابة عضده بأقيسة، فظنوا لما عضده بأقيسة أنه لا يحتج، هذا ما يلزم، يعني لا يلزم من كون المجتهد مثلا يأتي بأدلة أخرى مثلا، أن الدليل الذي أورده مثلا لا يعتبر دليلا، لا، بل من الزيادة في الاستدلال.
بعض الأصوليين يقول بالاستقراء: أنه إذا انفرد ابن عباس وزيد ... متى اتفق علي وزيد وابن عباس وابن مسعود، إذا اتفق هؤلاء فإن الأمة تجمع دائمًا على قولهم، لا يخرج عن عن قولهم إلا مبتدع، إذا اتفق علي وزيد وابن عباس وابن مسعود على مسألة معينة، فإن الأمة مجمعة على هذا، وأيضا بالاستقراء يقولون: إذا انفرد زيد بن ثابت بقول، ففي الغالب أن الشافعي يوافق زيدا، وإذا نُقل أو انفرد ابن مسعود في قول في مسألة، وفي الغالب أن إبراهيم النخعي وعلقمة يوافقون ابن مسعود في هذا القول، وإذا انفرد الإمام علي -رضي الله عنه- بقول، ففي الغالب أن عبيدة السلماني يوافق عليا رضي الله عنه.
نكتفي بهذا أيها الأخوة.
سائل يسأل يقول: هل حديث مسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ينسخ لعن الله زائرات القبور أو زوارات القبور؟
ج: لا ليس نسخا، لكن يعمل بقاعدة التخصيص، فنقول: "فزوروها" أنه للرجال، و لعن الله زوارات القبور بالنسبة للنساء، والنساء فرد من أفراد العام، ولا شك أن العمل مثلا بقاعدة التخصيص أولى من العمل بقاعدة النسخ؛ لأن النسخ معناها طرح للنص بالكلية، لكن العمل بالتخصيص عمل بكل واحد منهما فيما دل عليه.
هذا يقول: كيف نوفق بين أن "الفعل ينسخ القول" وزواجه -صلى الله عليه وسلم- بتسع من النساء، وغير ذلك من خصوصياته؟
ج: هذه ثبت أنها خاصة به ثبت، أنها خاصته، وإلا إذا صدر منه -صلى الله عليه وسلم- يعني فعلا ولم يثبت أنه من خصوصياته، فإنه يكون ناسخا.
النسخ إلى بدل. يقول: هل يعارض الآية: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا؟
¥