تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس ذلك افتراءً عليهم، بل إن أقوالهم التي تفوهوا بها شاهد صدق على هذا المُدَّعَى، وإذا اكتفيتَ بمثالين على ذلك فخذهما من قول الغزالي رحمه الله تعالى (لا يستدرك حسن الأفعال وقبحها بمسالك العقول، بل يتوقف دركها على الشرع المنقول، فالحسن عندنا ما حسنه الشرع بالحث عليه، والقبيح ما قبحه بالزجر عنه والذم عليه) (83).

ومن قول ابن برهان رحمه الله تعالى: (أطلق أهل الحق أقوالهم بأن حسن الأشياء وقبحها لا يدرك بقضيات العقول، إنما يدرك بالسمع المنقول) (84).

وهذا يعني إقصاء العقل عن أهلية الصدارة لإثبات حسن أو قبح في شيء من الأشياء، إذ ليس شأن ذلك إليه، بل هو شأن الشرع وحده.

المطلب الثاني: دراسة موقف الأشاعرة من العقل

موقف الأشاعرة من العقل ناشئ من تصورهم أن العقل لاحَظَّ له في إثبات الحسن أو القبح في الأشياء، وإنما مرجع ذلك إلى الشرع فيما ورد به الأمر والنهي، وهذا ما أكده إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى بقوله: (من أحكام الشرع التقبيح والتحسين، وهما راجعان إلى الأمر والنهي، فلا يقبح شيء في حكم الله تعالى لعينه، كما لا يحسن شيء لعينه) (85).

فهما - أعني الحسن والقبح - ثابتان عندهم بنفس الأمر والنهي، وليس لكون الأمر أو النهي دليلاً معرفاً لحسن أو قبح قد سبق ثبوته بالعقل.

ومن أجل وضع النقاط على الحروف في بيان حقيقة هذا الموقف فإن ما أطلقوه من القول بنفي إدراك العقل للحسن والقبح لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى:

أن يريدوا بذلك أن الفعل ليس له حسن أو قبح ذاتي ثابت له في نفسه، حتى يتفرع على ذلك القول بإدراكهما فيه من جهة العقل.

ولعل هذا ما يشير إليه ابن الحاجب رحمه الله تعالى بقوله: (لا حكم إلا بما حكم به الله، فالعقل لا يحسن ولا يقبح أي: لا يحكم بأن الفعل حسن وقبيح لذاته، أو بوجوه واعتبارات في حكم الله تعالى) (86).

الحالة الثانية:

أن يريدوا به أن العقل لا دخل له البتة بإثبات العقاب على ترك الحسن وفعل القبيح، أو الثواب على ترك القبيح وفعل الحسن، بل إن ذلك من اختصاص الشارع وحده.

فإن كان الأول هو مغزى إطلاقهم فإنه غير مُسلَّم لهم، إذ القبح والحسن ثابتان للفعل في نفسه، وهو ما حققه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله (وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه) (87).

وإن كان الثاني هو ما رموا إليه وعوَّلوا عليه فذلك محض الحق الذي لا مرية فيه، إذ الثواب والعقاب حكمان شرعيان طريق ثبوتهما الشرع لا العقل.

والذي أراه راجحاً أن هذا هو مرادهم دون الأول.

وبناءً على هذا الترجيح فإن مبالغتهم في نفي إدراك العقل لحسن الأشياء وقبحها إنما هو منصب على الثواب والعقاب لا على مطلق الإدراك.

المبحث السابع: العقل عند الظاهرية

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل

اشتهر عن أهل الظاهر عموماً إنكارهم حجية القياس في أحكام الشريعة حسب ما صرحوا به في كتبهم، حيث قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة، وقالوا: لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى، أو نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من فعل أو إقرار، أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها مُتَيَقَّن أنه قاله كل واحد منهم دون مخالف من أحد منهم، أو بدليل من النص أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، والإجماع عند هولاء راجع إلى توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابد، لا يجوز غير ذلك أصلاً، وهذا هو قولنا الذي ندين الله به) (88).

والناظر لأول وهلة في هذا القول يظن أو يكاد يجزم أنهم أعداء لقضايا العقول وأبعد الناس عن أن يقيموا لذلك ميزاناً ومعياراً، ولكن هذا الظن أو ذاك الجزم وَهْم من الخيال إذ الحقيقة على خلاف ذلك تماماً، فالعقل عندهم محل للاعتبار وسمات هذا الاعتبار تتجلى فيما يلي:

السمة الأولى:

أن ابن حزم رحمه الله تعالى عقد باباً في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) أثبت فيه حجج العقول، وتصدى بالرد على الذين أبطلوا حجة العقل، ووصف ذلك بأنه تمويه فاسد (89).

السمة الثانية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير