ومِنهُ أن يَثْبُتَ المعنى بِمَا = يَفعلُهُ مَنْ بالصَّلاحِ وُسِمَا
مِنْ جِهَةِ التَّحسينِ للظَّنِّ فقطْ = مُجَرَّدًا عن كل شَرْطٍ يُشْتَرَطْ
ومنهُ الاسْتِدْلالُ في الأَعْمالِ = بما يَقولُهُ أوْلوا الأَحوالِ
فَهْوَ وإنْ صَحَّ لهم عند النَّظَرْ = غير مناسبٍ لجمهورِ البَشَرْ
فالشَّرْعُ حاكِمٌ على الجمهورِ = بالمتوسِّطات في الأمورِ
ومنه بالأخذ بأصل عِلم = في غَيْرِهِ توصُّلاً لِلْحُكْمِ
مِنْ غيرِ أَنْ يَجْتمعا في أصلِ = وَلاَ يَمُتَّ بماتٍ عَقْلي
وإن من مستطرف الأنباءِ = في ذاك ما يُروَى عن الفراءِ
كأن يقول أنَّ كُلَّ مَنْ بَرَعْ = في عِلْمِهِ في غيْرِهِ بِهِ انْتَفَعْ
قيل فقد أحْكَمْتَ علمَ النَّحْوِ = فما تَرى فيمَنْ سَهَا في السَّهْوِ
قال أرَى ذاك لَهُ يُغْتَفَرُ = فإنَّ ذا التَّصْغيرَ لا يُصَغَّرُ
ومثلُ هذا ما حَكَوْا في المَعْنى = في أنَّ هذان عن ابْنِ البَنَّا
وما كهاتيْنِ على السَّواءِ = ما لأبي يوسف والكسائي
في إن دخلت الدَّار فهْوَ يَرْجِعُ = لأَصْلٍ نحو حكمُهُ مُتَّبَعُ
وكلُّ ما ليس بطلبٍ اوْ مُلَحْ = فَعَدَمُ اعْتبارِهِ أَمْرٌ وَضَحْ
وهْوَ الذي يَكِرُّ بالإبطالِ = على أصولِ العلم والأعمالِ
دون اسْتنادِهِ إلى قَطْعِيِّ = في أصْلِهِ وَلا إلى ظَنِّيِّ
وَلاَ يُرى مُسْتَحْسَنًا بالْعَقْلِ = مَعْنًى وَلا مسْتَمْلَحًا في الأصْلِ
هذا وَقَدْ يَعْرِضُ للأَوَّلِ مَا = يَصيرُ في الثًّاني بِهِ مُرْتسِمَا
وَذا لَهُ تصوُّرٌ في الواقِعِ = بِخَلْطِ عِلْمٍ بِسواه نافعٍ
كَذاكَ قَدْ يَعْرِضُ فيه أَنْ يُرَى = كثالثٍ قد نافر المُعْتبرا
بمثلِ أَنْ يُلْقَى لغيرِ أهْلِهِ = تَبَجُّحًا بِنَقْلِهِ وَحَمْلِهِ
أوْ مَا لَهُ خَطْرٌ مِنَ المسائِلِ = لِغَيْرِ ذي عَقْلٍ لذاكَ قابِلِ
بِضِدِّ ما يُؤْثَرُ في العلومِ = وبثِّها مِنْ أَدَبِ التَّعْليمِ
فَمِثْلُ ذا يُوقِعُ في المَحْظورِ = والنَّهيُ عنه جاءَ في المَأْثورِ
(المقدمة العاشرة)
إنْ عُضِدَ المنقولُ بالمَعقولِ = فَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ المنقولِ
إذْ ليْسَ للعقل مع الشَّرْعِ نَظَرْ = إلا بِقَدْرِ ما مِنَ النَّقْلِ ظَهَرْ
دَليلُهُ لوْ جازَ حُكْمُ العقلِ = لجازَ أَنْ يُبْطَلَ حكمُ الأَصْلِ
لكنَّ ذا غيرُ صحيحٍ أَصْلُهُ = كذاكَ ما أَدَّى إليه مثلُهُ
ومَعَ ذا التَّحسينِ والتَّقبيح = مِنْ حكمِهِ وَرَدِّهِ الصحيح
ولا اعتراضَ فيه بالتَّخصيصِ = بالعقلِ والقياسِ للمنصوصِ
إذْ ليسَ فيه العقلُ بِالحُكْمِ انْفَرَدْ = بَلْ بدَليلِ السَّمْعِ في ذاك اعْتَضَدْ
(المقدمة الحادية عشر)
قَدْ صَحَّ أَنَّ العلمَ أَعْني المُعْتَبَرْ = فيما يُفيدُ عَمَلاً قَد انْحَصَرْ
وأَصْلُهُ الأدِلَّةُ الشَّرْعْيَّهْ = وَمَرَّ قبلُ أَنَّها السَّمْعِيَّهْ
فالعلمُ مِنْ تلقائْها مَكْسوبُ = بحصْرِها إذا هو المطلوبُ
(المقدمة الثَّانية عشر)
مَنْ أَتْبَعَ الطرق لنيل العلمِ = تَحْصيلُهُ مِنْ ذي تُقَى وَفَهْمِ
مُتَّصِفٍ في العِلْمِ بالرُّسوخِ = إِذْ قيلَ [لابُدَّ من] () الشيوخِ
فهم مفاتيح لأهل الطَّلَبِ = لما استقرَّ العلم طيَّ الكتبِ
وبِعلاماتٍ عليْهِ يُسْتَدَلْ = مِنْها وفاق العلم منْهُ لِلْعَمَلْ
حتى يكون قولُهُ لِفِعْلِهِ = مُطابِقًا وهدْيُهٌ كنَقْلِهِ
وأخذه لما من العلم عَلِمْ = عمَّنْ من النَّاسِ بِذا الوَسْمِ وُسِمْ
حَسَبَما قد كان حال السَّلَفِ = في أخذهم خلفهم عَنْ سَلَفِ
والاِقْتِدَا بالذي عنه أخذ = في بثّْ ما بَثَّ ونَبْذِ ما نَبَذْ
مُسْتَفْرِغًا للْجُهْدِ في التَّأَدُبِ = بِأَدَبِ الشَّيْخِ وحُسْنِ الطَّلَبِ
والعلمُ مَطْلَبٌ إليه يُوصِلُ = كِلا طَرَفَيْنِ فَأَمَّا الأوَّلُ
فإنَّهُ الأخْذُ لهُ مُشافَهَهْ = مِنْ قِبَلِ الشُّيوخِ بِالمُوَاجَهَهْ
وَذاكَ فيهِ حِكْمَةٌ بِالذَّاتِ = تَرْجِعُ معنى للخُصوصياتِ
يَشْهَدُها مَنْ زاولَ العلومَا = وَمَنْ تَوَلَّى أمثلها لزومَا
فَكَمْ يُزيلُ الشَّيْخُ مِنْ إشْكالِ = بِمُقْتَضَى قرائن الأحوالِ
وَكَمْ يُجَلِّي مِنْ أُمورٍ غامِضَهْ = وشُبَهٍ قَدْ وَرَدَتْ مُعارِضَهْ
فَتَنْجَلي إمَّا بِأَمْرٍ عادي = أوْ هِبَةٍ لَيْسَتْ مِنَ المُعتادِ
تَحْصُلُ للتِلْميذِ في تَفَهُّمِهْ = إذا اسْتَوَى بينَ يدَي مُعَلِّمِهْ
وَذا الطَّريقُ نافِعٌ مُطَّلَبُ = وكان بعضُ مَنْ قَضَى لا يَكْتُبُ
ثمَّ الطريقُ الثَّانِ بالمراجَعَهْ = لكتبِ أهلِ العِلْمِ بالمُطالَعَهْ
وهْو على الجُمْلَةِ أيضًا نافِعُ = وللطريقِ الأَوَّليِّ تابِعُ
بِشرطِه أنَّى حَصَلْ بلْ عنده = في العلم ما يفهم منهُ قَصْدَهُ
وفي اصْطِلاحِ أهلِهِ ما = وما يتمُّ معه حكم النَّظَرْ
مَعَ التَّحَرّي كتب مَنْ تَقَدَّمَا = في كلِّ ما مِنَ العُلومِ يَمَّمَا
فالقُدَماءُ بِالعلومِ أَقْعَدُ = بِذاكَ تَجْريبٌ ونَقْلٌ يَشْهَدُ
(المقدمة الثالثة عشر)
وأيُّ أَصْلٍ مِنْ أُصولِ العِلْمِ قَدْ = يُعَد في الفعلِ إمامًا يُعْتَمَدْ
يُنْظَرُ لِلْمَعْنَى الذي قد احْتَمَلْ = فإنْ يَكُنْ يَجْري بِهِ ذاك الْعَمَلْ
عَلَى مَجاري مِثْلِهِ في العادَهْ = صَحَّ قي الاقتضاءِ للإفادَهْ
وَإنْ يَكُنْ فيه انْخِرامُ رُكْنِ = أو نَقْضِ شَرْطٍ فَهْوَ غَيْرُ مُغْنِ
وَذاكَ في مَجْرى الأساليب يَقَعْ = فينبغي اعتباره حيثُ وَقَعْ
كذا يُرى في الفهْمِ للأَقْوالِ = وفي الدخول بعدُ في الأعمالِ
وذا الأخيرُ عُمْدَةٌ في المسْأَلَهْ = والأصْلُ في المصالِحٍ المُسْتَعْمَلَهْ
وَأَصْلُ الاسْتِحْسانِ والبيانِ = لِمُشْكِلِ السُنَّة والقرآنِ
وَضِمْنُهُ الرُّخْصَةُ منهُ تُقْتَنَصْ = فإنَّهُ الحاكِمُ في باب الرُّخَصْ
وَقَدْ بَدا معنى ذا الأَصْلِ وَظَهَرْ = تَأْصيلُهُ فَيَنْبَغي أَتْ يُعْتَبَرْ
وَعَدَمُ اعْتِبارِهِ حيثُ بَدَا = أوْقَعَ أهل الزيغ في مَهْوَى الرَّدا
كتابُ الأحكام
المشاركة القادمة إن شاء الله نكمل فيها ما تبقى من كتاب المقاصد
¥