تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من الأدلة الدالة أيضاً قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق) وجه الاستدلال: أن الله تعالى قد أنكر على من حرم أشياء بدون دليل صادر عن الله تعالى، فدل هذا على أن ما لم يأت بشأنه دليل يحرمه يكون حكمه الإباحة ... فدل على أن حكم الأشياء المسكوت عنها التي لم يرد شيء يدل على تحريمها الإباحة سواء كانت من الأعيان أو الأفعال المنتفع بها.

الأدلة من السنة:

ورد عندنا مجموعة من الأحاديث وهي تفيد معنى واحدا بجملتها وهو أن ما سُكت عن حكمه في الشرع فهو على الإباحة وعلى العفو، هذه الأحاديث اختلفت ألفاظها لكن معناها واحد وهي جملة من الأحاديث: منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا) ........

فعندنا جملة نصوص في القرآن والسنة تدل دلالة صريحة على أن الأشياء المسكوت عنها بعد ورود الشرع يكون حكمها الإباحة، والمقصود بثبوت النفع والضرر هنا بحسب نظر العالم المجتهد أو الشخص العادي، فالعالم المجتهد أو الشخص العادي متى ما أراد على أن يقدم على أمر لم يرد فيه نص بإباحته أو تحريمه نصا صريحا في هذه الحالة:

- متى ما تمحَّض له أن هذا الأمر نافع نفعا محضا فإنه يقدم عليه لأن حكمه الإباحة بناء على هذه الأدلة. - وإن كان فيه ضرر فيوازن إن كان نفعه أكثر من ضرره فأيضا يبقى حكمه الإباحة.

- أما أن كان ضرره أكثر من نفعه فلا يقدم عليه لأننا أخرجناه من هذه القاعدة.

يأتي سؤال: أنتم قلتم بأن عندنا بعد ورود الشرع قولان قول بالإباحة وعندنا قول بالتحريم وهو الذي قلنا أنه يستصحب الأدلة العقلية التي قال بها قبل ورود الشرع، بقي عندنا القول بالتوقف؛ ما مصيره بعد ورود الشرع؟

الحقيقة أنه بعد ورود الشرع لا تناقض ولا تعارض بين القول بالإباحة والتوقف، لأن الخلاف بين القائلين بالإباحة والتوقف خلاف لفظي بعد ورود الشرع وليس خلافا معنويا.

فإن القائل بالتوقف موافق بالحقيقة للقائل بالإباحة بعد ورود الشرع.

لأن مراد القائلين بالتوقف: أنه لا يُثاب على الامتناع من الإقدام على هذا الشيء ولا يأثم بفعل هذا الشيء، هذا معنى القول بالتوقف في هذا المقام، فلا عقاب على أحد فيما يفعله ولا ثواب على شيء لو فعله من الأشياء المسكوت عنها.

ومراد القائلين بالإباحة بعد ورود الشرع: أنه لا حرج في الفعل والترك، ومعنى هذا أن القول بالإباحة يرادف القول بالتوقف فيما بعد ورود الشرع فيكون إذا لا خلاف بين القائلين بالإباحة والقائلين بالتوقف بعد ورود الشرع إذا فُسِّرَ التوقف بهذا القول.

وهذا هو اختيار إمام الحرمين في كتابه البرهان، والغزالي في كتابه المستصفى , والآمدي في كتابه الإحكام، وأبو يعلى في كتابه العدة، وموافق أيضاً لما ألمح إليه ابن قدامة في كتابه روضة الناظر.

ما فائدة بحثنا لهذه المسألة بعد ورود الشرع؟

فائدة وثمرة الكلام في هذه المسألة هي النظر في حكم الأشياء المسكوت عنها بعد ورود الشرع هل حكمها التحريم أو حكمها الإباحة في هذا المقام (و القول بالإباحة هو القول الراجح) ..

وبناء على هذا لدينا أمثلة تنبني على هذين النظرين بعد ورود الشرع:

مثلا الحيوان المُشْكِل أمره:

نحن نعلم أن عندنا حيوانات ورد الشرع بإباحتها صراحة بأسمائها وأعيانها، وعندنا حيوانات قد نص الشرع على تحريمها إما بعينها وإما بوصف يوضح حقيقتها، وعندنا حيوانات لم تُعرف في وقت التشريع إما باسمها أو بعينها، وحينئذ ننظر في حكمها، هل حكمها الإباحة بحيث انه يجوز للشخص أن يقدم على أكلها أم لا يجوز؟

هذا نسميه بالحيوان المشكل أمره، مثل الزرافة ليس هناك نص يدل على تحريمها ولا إباحتها، فيبقى أمرها مشكلا هل حكمها الإباحة أو حكمها التحريم بناء على القول الراجح الذي عضدته الأدلة الشرعية يكون حكمها الإباحة فيباح أكلها، ولذلك يقول السيوطي تفريعا في هذه المسألة: ومنها مسألة الزرافة، نقل عن السبكي قال: المختار حل أكلها لأن الأصل الإباحة.

فرع ومثال آخر وهو النبات الذي جُهلت سميته وجُهل ضرره:

فيكون حكمه الإباحة بناء على القول الراجح هنا، وهناك من يقول بأن حكمه التحريم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير