الصيغة الثالثة لمعرفة المكروه صيغة النهي التي هي قولنا لا تفعل أو ما جرى مجراها إذا وجدت معها قرينة تصرفها من التحريم إلى الكراهة. لأن صيغة لا تفعل إذا وردت مجردة لا تفيد الكراهة، كما سيأتي إن شاء الله عندما نبحث في المحرم .. والأصل في قولنا لا تفعل الأصل فيها التحريم ولكن إذا وجد معها قرينة تصرفها فإنها تنصرف وتكون دالة على الكراهة. مثل قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فقوله (لاتسألوا (هنا قال العلماء: إنه للكراهة وليس للتحريم ولو أخذناه على ظاهره هكذا لكان دالا على التحريم وليس على الإباحة ولكنه صرف عن النهي إلى الكراهة بسبب القرينة الصارفة، وهذه القرينة الصارفة وردت في آخر الآية لقوله تعالى): وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور رحيم) .. فكأنه صار هنا في المقال نوع من التخيير لا تسألوا وإن تسألوا سيظهر لكم حكمها. فلو كان هنا النهي نهيا جازما بتحريم لما ورد بعد ذلك احتمال تعريف السؤال عنها فنقول النهي للكراهة وليس للتحريم.
أيضا من الصيغ و الأساليب الدالة على الكراهة التصريح من الصحابة أو النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن صيغة النهي غير جازمة. يعني: ورد نهي ولكنه نهي غير جازم كما ورد في قول أم سلمة رضي الله عنها: (نهينا عن اتِّباع الجنائز ولم يعزم علينا) ..
إطلاقات المكروه:
عندما تأتي في أحكام الشرع واستعمالات الشرع في القرآن والسنة أو في استعمالات السلف لفظ المكروه نجد أنها تختلف هذه الاستعمالات عن الذي نبحثه هنا في أصول الفقه وقد تكون على معان أخرى قد تكون أوسع أو ربما تكون أضيق، فمثلا من إطلاقات لفظ المكروه:
أنه يطلق لفظ المكروه ويراد به الحرام أو كما يعبر عنه بالمحظور.
رُوِي هذا الإطلاق عن الإمام مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.
وهذا غالب في عبارات السلف، ولماذا كان غالب في عبارات السلف؟
لأنهم كانوا يتورَّعون ويتحرَّزون أن يقعوا في طائلة النهي في قوله تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام) وأيضا قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وخشية منهم أن يقولوا على الله بشي بناء على عدم العلم أو بناء على التردد أو بناء على وجود احتمال عندهم على الحكم فإنهم يقولون بأن هذا مكروه ويقصدون بذلك الحرام ... وابن القيم رحمه الله في كتابه أعلام الموقعين بيَّنَ هذا وقال:
أن هذا كان من أسباب خطأ كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة. فأتى المتأخرون من أتباع المذهب ونفوا التحريم وقالوا الإمام لا يقول بتحريم. فنفوا التحريم الذي أطلقوا عليه الأئمة الكراهة، بينما كان مراد الأئمة حقيقة في التحريم وليس الكراهة، فمثلا الإمام أحمد نُقِلَ عنه أنه يقول: أكره المتعة والصلاة في المقابر وهما في الحقيقة يحرمان، وعبر بلفظ أكره يعني من باب التورع في الفتوى. ونقل عن الإمام الشافعي أنه قال: أكره اشتراط الأعجف والأعجف هو الضعيف. قال أكره اشتراط الأعجف والمشوي والمطبوخ لأن الأعجف يعيب واشتراط العيب مفسد فأطلق هذه العبارة ويقصد بها التحريم وليس الكراهة ...
ثم ذكر - حفظه الله - إطلاقات أخرى للمكروه .. ولكن أكتفي بهذا القدر من النقل.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
..
ـ[أبو فارس المصباحي]ــــــــ[30 - 11 - 09, 09:04 م]ـ
حياك الله ..
لا يُكتفى بالألفاظ وحدها لمعرفة الحكم الشرعي في كل الصيغ المذكورة أعلاه، فلابد من النظر أيضاً إلى أقوال الصحابة وفهمه لها، والقرائن المتوفرة والتي يتأكد منها المعنى المطلوب
ـ[ظافر الخطيب]ــــــــ[06 - 12 - 09, 11:57 م]ـ
مشكلة ليس لها حل!
ـ[النقاء]ــــــــ[07 - 12 - 09, 01:10 ص]ـ
مشكلة ليس لها حل!
ما المشكلة؟ بل لكل مشكلة حل إن شاء الله، لعلنا نفيدك بوركتم.
ـ[أبوإسحاق الوهراني]ــــــــ[11 - 12 - 09, 10:44 ص]ـ
مشكلة ليس لها حل!
أين هى المشكلة لم أراها الأخ نقل فوائد مشاء الله جزاه الله خيرا