تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كقول المستدل في الإجارة: إنّها لا تنفسح بالموت، لأنّ الموت معنى يزيل التكليف فلا يبطل الإجارة مع سلامة المعقود عليه كالجنون والإغماء.

فيقول الخصم: أسلم بموجَب هذه العلّة، لأنّ الذي يزيل التكليف هو الموت، والموت لا يبطل الإجارة، وإنّما يبطلها انتقال الملك، فلو انتقل بغير موت بطلت الإجارة، وإن لم يوجد الموت المزيل للتكليف (14).

مورد القول بالموجب

ودعوى المستدلّ التي يرد عليها القول بالموجب أربعة مواضع:

الأول: أن ينصب المستدلّ دليله على إبطال ما يظنه مدركا لخصمه ومأخذا لمذهبه، يعني استنتاج من الدليل إبطال ما يتوهم منه أنّه مبنى الخصم في المسألة المتنازع فيها، والخصم يمنع ذلك، وعليه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه. وورود هذا النوع من القول بالموجب أغلب على المسائل والمناظرات من جهة أنّ خفاء المآخذ والمدارك أغلب من خفاء الأحكام ومحالِّ الخلاف بالنظر إلى قلة العارفين بها والمطلعين على أسرارها، ولهذا قد يشترك الخواص والعوام في معرفة الحكم المنقول عن الإمام دون اشتراكهم في معرفة مداركه ومبانيه، ومن ثَمّ ورود احتمال الخطأ في مأخذ الإمام أقرب من احتمال الخطأ في الحكم المدلول عليه فيما ينسب إليه (15).

ومثاله: قول المستدلّ في مسألة القتل بالمثقل: "التفاوت في الوسيلة (16) لا يمنع وجوب القصاص كالتفاوت في المتوسل إليه " (17).

فيقول المعترض الحنفي: " أقول بموجَب هذا الدليل ولكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء جميع الموانع، وإثبات وجوب القصاص لجواز انتفاء المقتضي لذلك، أو وجود مانع آخر أو فوات شرط" (18).

الثاني: أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهمه محلّ النزاع أو لازم محلّ النزاع، وليس الأمر كذلك.

مثال: كمن يستدلّ على أنّ من أتى حدا خارج الحرم ثمّ لجأ إلى الحرم فإنّه يستوفى منه الحدّ لوجود سبب جواز الاستيفاء منه فكان جائزا.

فيقول الخصم: " أسلم بموجَب دليلك، وأنّ استيفاء الحدّ جائز، وأنا أنازع في هتك حرمة الحرم، وليس في دليلك ما يقتضي جوازه" (19).

مثال آخر: قول المستدلّ: "القتل بمثقل قتل بما يقتل غالبا، فلا ينافي القصاص، فيجب فيه القصاص قياسا على الإحراق بالنار".

فيقول المعترض: " أسلم بعدم المنافاة بين القتل بمثقل وبين ثبوت القصاص، غير أنّ عدم المنافاة ليس محلّ النزاع أو لازمه وليس في دليلك ما يستلزم وجوب القصاص" (20).

الثالث: أن يعترض المستدلّ لحكم يمكن للمعترض أن يحمله بالتسليم على الصورة المتفق عليها، ويبقى الخلاف قائما فيما عداها.

مثاله: قول المستدلّ في وجوب زكاة الخيل: "حيوان تجوز المسابقة عليه فوجبت فيه الزكاة قياسا على الإبل".

فيقول الخصم: "أنا أقول بموجَبه، وعندي أنّه تجب فيه زكاة التجارة، والنزاع إنّما هو في زكاة العين" (21).

الرابع: أن يسكت المستدل في دليله عن صغرى غير مشهورة (22) من قياسه خشية منع الخصم لها حال التصريح بها.

مثاله: قول المستدل في اشتراط النية في الوضوء والغسل: " كلّ ما هو قربة شرطه النية كالصلاة"، ويسكت عن مقدمة قياسه وهي: "الوضوء والغسل قربة".

فيقول الخصم: " هذا مسلم أقول بموجَبه أنّ ما فيه قربة يشترط فيه النية، ولا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل" (23)، لأنّ المقدمة الواحدة لا تنتج، فلو صرح المستدل بالصغرى لمنعها الخصم وخرج عن القول بالموجب (24).

طرق دفع القول بالموجب

ويدفع المستدل القول بالموجب بحسب الاعتبارات من المواضع السابقة على ما يأتي:

الأول: وجواب المستدلّ على القول الموجب في الاعتبار الأول يكون بالطرق التالية:

1/ أن يبين المستدل حكم محلّ النزاع منه بوجود مقتضيه ممّا ذكره في دليله إن قدر على بيانه.

مثاله فيما تقدم في مسألة القتل بالمثقل، فللمستدلّ أن يجيب عن الخصم بقوله: " إن سلمت أن تفاوت الآلة لا يمنع القصاص، فالقتل المزهق هو المقتضي والتقدير أنّه موجود".

أو يجيب: " بأنّه يلزم من كون التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص وجود مقتضى القصاص بناء على أنّ وجود المانع وعدمه قيام المقتضي، إذ لا يكون الوصف مانعا بالفعل إلا لمعارضة المقتضي فيستدعي وجوده، ولذلك لمّا كان الحكم يدور مع مقتضيه وجودا وعدما لم يصح عرفا الاهتمام بسلب المانع إلاّ عند قيام المقتضي، وإلاّ فالاهتمام بسبب المقتضي أولى" (25).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير