9ـ إعانة الناقد على معرفة مبلغ اقتدار الشاعر
" إن الشاعر الكبير يغلب الوزن ولا يغلبه الوزن، تتغير عنده وجوه القول ولا تتغير قدرته على القول " [الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزي، مقدّمة المحقق: 4].
والناقد إذا كان بصيراً بالعروضِ كان عارفاً بالمدى الذي يسع الشاعر أن يتحرك فيه، وبالتالي يكون أقدر على استيعاب الاختيارات المتاحة للشاعر، وتقويم ما انتقاه منها.
10ـ التأكد من أنّ القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف ليسا بشعر
أي معرفة دراسة لا معرفة تقليد. وذلك بأن يعرض القرآن على اقراء الشعر وبحور وأضربِهِ فإذا هو لا يوافق شيئا منها.
11ـ معرفة ما يرد في التراث من مصطلحات عروضية:
فالتراث العربيّ مليء بهذه المصطلحات، ولا سبيل إلى فهمها، وإدراك المراد إلا بدرس العروض وتدبّره وتفهمه. [انظر في 9، 10: منهج المعهد العلمي في العروض والقافية: 7 - 8].
ونحتاج هنا أن نشير إلى شبهات المعترضين على علم العروض والداعين لإلغائه، وأبرز هذه الشبهات:
1ـ زهد كثير من الأئمة فيه كثعلب وقدح بعضهم فيه كالجاحظ والنظام
فقد كان ثعلبٌ لا يحسن العروضَ.
وكان الجاحظ يقولُ: إن العروض علمٌ مستبرد لا فائدة له ولا محصول *.
وذُكر أنّ الأصمعيّ ذهب إلى الخليل يطلب العروض، ومكث فترة فلم يفلح، حتى يئس الخليل من فلاحه، فقال له يوما: قطّع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيعُ
فذهب الأصمعيّ ولم يرجع، وعجب الخليل من فطنته.
والجواب أنه " لو ذهب الناس حتى يزهدوا في العلوم لأن أحمد بن يحيى لم يكن يحسنها ولا ينظر فيها لترك الناس علما كثيرا " [كتاب صنعة الشعر، المنسوب لأبي سعيد السيرافي: 29].
" وغفر الله للجاحظ تصريحه بأن العروض علم مستبرد لا فائدة له ولا محصول، إنها جَمْحة أفلتت من زَكَنِهِ وإن حملت شيئا من روح الفكاهة فيه، لا ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد الخالص ولا سيما أن للجاحظ نفسه قولا آخر يعترف فيه بوظيفة العروض. جمحةٌ فيها من التهكم ما يشبه تهكُّمَ أستاذه النظّام إذ يقول: إنّ دوائر الخليلِ لايحتاجُ إليها غيرُهُ، وربما كان كلا القولين مردُّهُ إلى افتراق المذاهب وما يوقعه في النفس من هوىً، فالنظام والجاحظ من أهل الاعتزال، والخليلُ من أهل السنّة " [الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزي، مقدّمة المحقق: 5].
كما أنّ إخفاق الأصمعيِّ في تعلّم العروض لا يعني أن العروض " مقدور علمُهُ لفئةٍ قليلةٍ، فما أكثر من تتهيأ لهم القدرة العروضيّة، وإن لم يكن لهم ذكاءُ الأصمعيّ وعلمه وأدبه؛ لأنها قدرة كأيّ قدرة غيرها، لا يلزم أن يؤتاها عظيم الذكاء فحسب " [الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزي، مقدّمة المحقق: 3].
وعلى كل " فلا يمنعك من طلب العلم زهد من زهد فيه، ولا جهل من رغب عنه وطعن فيه، وقد قال علي بن أبي طالب: قيمة كل امرئ ما يحسن " [كتاب صنعة الشعر، المنسوب لأبي سعيد السيرافي: 42].
والحقّ أن البليّة ليست في تهوين بعض الناس من شأن العروض مهما بلغوا من العلم والفضل، " وإنما الضير كلّ الضير أن تكون الاستهانة سمة العصر، وهذا هو البلاء الحاضر ". [الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزي، مقدّمة المحقق: 6].
2ـ لا يراد العروض إلا لقول الشعر، فإن استقام الطبع استغني عنه
" وليس الأمر كذلك لأن صاحب العروض وإن قال الشعر وعلم كيف وضع الكلام ورصفه فلعمري إنه قد سلك طريقا يعرفه ووضع الكلام موضعه، ولكن إنما يراد بالعروض معرفة الأوزان أهي صحيحة أم مكسورة؟ ومن أي صنف هي؟ " [كتاب صنعة الشعر، المنسوب لأبي سعيد السيرافي: 35].
ومعنى هذا أن مستقيم الطبع إذا تعلم العروض كان بصيرا بمواضع الكلم، وكان كالبناء الماهر الذي يبني وفق خريطة مرسومة أمامه، فيكون ذلك أعون على إتقانه وإبداعه وتجويده.
ثم إن العروض لا يراد لقول الشعر فحسب، بل سبقت الإشارة إلى كثير من منافعه وثماره.
3ـ ملكة السماع تغني عن العروض
¥