وكثير ممن كتبوا في النحو والبلاغة وعلوم العربية لم تكن أصولهم عربية، ولكن الله تعالى منَّ عليهم بالإسلام، وفتح لهم أبواب اللغة ومغاليقها، فبرعوا فيها كما لو كانت أصولهم عربية، فاستقرءوا كلام العرب وشعرهم، واستخرجوا منه قواعد اللغة وقانونها، فجمعهم الإسلام من شتى الأجناس والأعراق، فاتحدت عصبيتهم لله تعالى ولدين الإسلام، وانحازوا عن لغاتهم الأعجمية إلى لغة القرآن، فتعلموها ديانة لله تعالى، واستعذبوها تدبرا لكتابه سبحانه فرزقهم الله تعالى فهمها وتقعيدها.
ثم نبتت من أبنائهم نبتة عاقة سيئة تنادي بالرجوع إلى عصبياتهم الجاهلية، وتطالب بنبذ اللغة العربية، لغة القرآن الذي آمنوا به، وأكرم الله تعالى به أجدادهم فنقلهم به من الرق والعبودية إلى العلم والقيادة والسيادة.
- بل و قد عمد الغرب إلى إحياء نعرات قومية بين المسلمين في:
- الهند نادوا بإحياء السنسكرونية بين مسلمي الهند
- و في المغرب العربي الامازيغية
- وفي تركيا القومية الطورانية
- و في مصر الفرعونية و القبطية
- وفي العراق الكردية
- و في الشام الفينيقية
3 - الدعوة الى إغراق العربية في سيل من الألفاظ الأجنبية
وإنك لترى اليوم -مع الأسف-أن الكلمة الأجنبية أسبق إلى لسان الواحد منا من الكلمة العربية، وإذا أراد أن يتراجع، وقف فترة يفكر ويبحث عن الكلمة العربية المرادفة، ويعصر ذهنه، لأن مفردات الثروة اللغوية ضعيفة
- ولفد نبت في العرب هذه النبتة السيئة التي تدعوا الناس إلى نبذ لغتهم واستبدال اللغات الأجنبية بها بحجة أنها لغات العلوم والمعارف و أن اللغة العربية لا تستطيع أن تواكب الحضارة و لا أن تتماشى مع العصر
-: الرد: وكيف يكون ذلك والله جل وعلا قد تحدى أمراءالبيان وملوك الفصاحة أن يأتوا بسورة شبيهة بالقرآن الذي نزل بهذه اللغة الكريمة ثم إن اللغة التي حملتهذا الميراث الضخم الفخم المتطاول على الزمن من حضارة الإسلام الدينية والفكريةوالعلمية منذ أربعة عشر قرناً – لا يعجزها بل لم يعجزها فعلاً أن تمضي في رسالتهاالبيانية والتاريخية وإلى الأبد الأبيد.
واستطاع علماء العرب ومفكروهم ومترجموهم – قديماً – أن يستولدوها كلمات ومعانيجديدة من لغات أخرى، عن طريق التعريب والاشتقاق.
إن هذه اللغة الولود الودود، الغنية السخية ليست عاجزة عن مسايرة ركبالعلم الحديث، وإنما أبناؤها العاقون هم العاجزون. وهم الذين يخربون بيوتهمبأيديهم، ويطفئون نور حضارتهم بأفواههم، ويطمسون معالم شخصيتهم العربية الإسلاميةالأصيلة بآرائهم المنحرفة.
و نقول إنَّ تدريس العلوم كلِّها باللغة العربية في بلادنا العربية هو الأمرُ الطبيعي؛ ذلك لأنَّ غرضَنا من التعليم هو إفهامُ الطالب المادة العلمية المقررة وجعلُه يستوعبها تمام الاستيعاب، وهذا لا يتحقق على الوجه الأكمل إلاَّ إذا قررناها له بلغته الأم، وهذا ما درجَت عليه أممُ الأرض إلاَّ من شذَّ مثل واقعنا المؤلم.
وقد ذكر العلماء طرائقَ كثيرة جدًّا تُعين على وضع المصطلح:
• ومن ذلك الاشتقاق، وهو أنواع وقد فصَّل القولَ فيها علماء اللغة من قدماء ومعاصرين، وأكتفي هنا بذكر هذه الأنواع دون تفصيلٍ ولا شرح، وهي: الاشتقاق الصغير، والاشتقاق الكبير، والاشتقاق الأكبر، ولاشتقاق الكُبَّار.
قال أستاذنا سعيد الأفغاني رحمه الله (ت 1417هـ = 1997م) في آخر بحثه في الاشتقاق: ((للغتنا غنًى وافر، وطبيعةٌ مسعفة، يحسدها عليها كثير من اللغات، فهي كنزٌ يطلب من يكتشفه ويحسن استخدامَه والإفادة منه))
• ومن ذلك المجاز، وهو استعمالُ كلمة في غير معناها الأصليِّ لعلاقة مع قرينةٍ مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
• ومن ذلك النَّحْت، وهو طريقةٌ من طرائق توليد الألفاظ، وهو قليلُ الاستعمال في اللغة العربية شائعٌ في غيرها من اللغات الهندية الأوربية. ومن أمثلته: البَسْمَلَة، والحَمْدَلَة، والحَوْقَلَة. وبعض العلماء يسمُّون النحت الاشتقاقَ الكُبَّار ويعدُّونه نوعًا من أنواع الاشتقاق. وهو أيضًا أنواع.
• ومن ذلك التعريب، وهو نقلُ المفردَة الأعجميَّة بلفظها مع إدخال بعض التعديل عليها، لتكونَ وَفق طبيعة اللغة العربية، وقد عرَّب اللغويون المتقدِّمون كثيرًا من الكلمات الأعجمية والأعلام الأعجمية. فمن ذلك كلمة (هندزة) عرَّبوها إلى (هَندَسة) .. وهكذا.
¥