إجراؤك للاستعارة على هذا النحو هل هو نموذج تفسيري معقلن لما حدث في ذهن المتكلم أو السامع أم هو فقط تخريج شكلي للاستعارة على قواعد مقررة من وضع واتفاق ائمة البلاغة؟
الراجح أن الثاني وحده المعتبر عنهم فلا يبحثون عن شيء بعد استقامة القاعدة.
..... فيتناقضون:
لأنهم،من جهة، يرون –عن حق-أن المجاز لا يمكن أن يكون بدون اعتبار المتكلم /السامع وهم، من جهة ثانية، لا ينشغلون بتطابق إجراء الاستعارة مع الحدث الفكري والنفسي للمتكلم/السامع والمفروض أنها تصفه!!
فلننظر مثلا في إجرائهم للاستعارة التبعية في الحرف:
هم لا يقون أن الاستعارة في الحرف ..
بل هي في اسم الجنس الذي هو متعلق الحرف.
ثم إن معنى الاستعارة الأصلية في المتعلق الكلي يسري إلى الجزئيات فيصل إلى الحرف الذي لا يستعمل إلا في معنى جزئي فتنشأالتبعية فيه.
والحرف -كما تقرر عند النحاة- معناه في غيره لا في نفسه .. ومن ثم سيكون التجوز في مدخوله وما الحرف إلا آلة لتعقله فقط.
فانظر إلى هذا التهافت يقولون في الحرف استعارة تبعية فلا هي وقعت فيه (بل في متعلقه) ولا معناها موجود فيه (بل في ما دخل عليه) ..
قال أحد المفسرين يجري الاستعارة التبعية في حرف اللام:
{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} هذه لام المآل لأنه ليس غرضهم في التقاطه ان يكون عدوا أو حزنا لهم بل غرضهم أن يكون لهم ابنا ولكن مرجعه الى العداوة والحزن."واللام" موضوعة للدلالة على أن التقاطه للمحبة والتبني واستعيرت في الآية للدلالة على أن المرجع الى العداوة والحزن استعارة تبعية وايضاحها انه شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب نحو المحبة والتبني عليه ثم استعلمت اللام الموضوعة للدلالة على المشبه به الذي هو ترتب المحبة والتبني ونحوها في المشبه الذي هو ترتب العداوة والحزن والجامع داخل في مفهوم الطرفين وهو الترتب الأعم فلما كان الترتب الأول من جنس الترتب الثاني الذي هو المشبه به استعيرت اللام في هذا الثاني فالاستعارة جارية اولا في المعنى العام الحر وهو العلية وثانيا في اللام تبعا.
ويبقى الاعتراض الأكبر:
ما الدليل على أن كل هذه المعاني تقع في نفس المتكلم/السامع؟!.
وقد فطن الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني إلى هذا القصور فحاول ترميم ما يمكن ترميمه فقال في كتابه "البلاغة العربية أسسها وعلومها":
(لاَ نجد متكلّماً فصيحاً بليغاً أديباً يُلاَحِظُ هذه التبعيَّة، لا في الأفعال ولا في المشتقات من الأسماء، ولا في الحروف.
إنَّما تَنْقدح في ذهنه صورةُ التشابه بين مَعْنَى فعلٍ ومَعْنَى فعلٍ آخر، أو بين معنى اسم مشتقٍّ ومعنى اسم مشتق آخر، أو بين معنىً يُدَلُّ عليه بحرف ومعنىً يُدَلُّ عليه بحرف آخر، فَيَسْتَعِيرُ الفعل أو الاسم المشتَقَّ أو الحرفَ، ولا تَخْطُر بباله سلسلة الإِجراءات التحليليّة التي ذكرها البيانيون.
فما الداعي لاعتبار الاستعارة في الأفعال، والاستعارة في الأسماء المشتقَّةِ، والاستعارة في الحروف إنْ وُجدت، استعارة تبعيّة، مع إمكان أن نقول فيها جميعاً:
استعارَ المتكلّم الفعلَ للدلالة به على معنى فِعْلٍ آخر، بجامع التشابه بين الفعلَيْنِ في حَدَثهما وفي زمانِهما، وكذلك يقال في استعارة الأسماء المشتقة، واستعارة الحروف إن وُجدت؟!.
وعلى هذا تقول في مثال قَوْلِ المتشكّي من نوائب الدهر: "عَضَّنَا الدَّهْرُ بنابِهِ".
إنّ ما تُحْدِثه النَّوائب من أعمال مُؤْلِمَةٍ قد يُعَبَّرُ عَنْها بفِعْلٍ أو أفعال مختلفة، مثل: "أتْلَفَتِ النوائبُ بَعْضَ زرعه - وأهلَكَتْ بعض ماشيته - ومسَّتْ بعض أهله وحاجاته بسُوءٍ - فتألم لذلك" يُمْكن أن يُسْتَعْمِلَ بَدَلَها فعل: "عَضَّ" على سبيل الاستعارة، إذْ تُشَبَّهُ هذه الأفعال الدّالّة على الحدث والزّمن، بفعل "عضّ" بجامع الحَدثِ المؤلم المقرون بِزَمَنٍ في كلٍّ من المشبَّهِ والمشبَّه به.
ويُسْتَعَارُ هذا الفعل "عَضَّ" للدّلالة به على ما أحدثَتْهُ أفعال النوائب في أزمانها الماضية.
وتطبيق هذا التحليل على المشتقّاتِ من الأسماء المستعارة لغير معانيها الأصليّة أيْسَرُ وأوضَحُ).
انتهى كلامه وهو حسن كما ترى.
ـ[أبو الفتح محمد]ــــــــ[22 - 10 - 07, 02:02 ص]ـ
شيخنا أبو عبد المعز كيف أفهم هذا العلم بهذه الطريقة الدقيقة
ـ[محمد عمارة]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:15 ص]ـ
شيخنا الحبيب جزاكم الله خيرا هل يمكنكم وضع هذا البحث منسقا في ملف وورد حتى يسهل لأمثالي الاستفادة منه
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[22 - 10 - 07, 08:48 م]ـ
أخي أبا الفتح فتح الله عليك .. وعلمك ما لم تعلم
علم البلاغة مثل سائر العلوم:اقرأ كلام الناس،وافهم مقاصدهم، وانتقد حين يشتد عودك، واجتهد لنفسك.
أخي محمد عمارة اقر الله عينك وأراك ما تحب وترضى ..
إذا أتممت هذه اللمع-إن شاء الله- أعدت نسخها كاملة مثلما تريد ..
¥