ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[22 - 10 - 07, 08:58 م]ـ
اللمعة 12:
منهج البلاغيين العام يتجه نحو الإكثار من المجاز إلى أن تختفي الحقيقة أو تتعذرمعه ...
ولهم في ذلك سبيلان لا سبيل واحد:
سبيل الإغراق الأفقي للمجاز، و إن شئت قلت المجاز في التركيب، أو قلت المجاز "مع" المجاز.
وسبيل الإغراق العمودي. وإن شئت قلت التركيب في المجاز، أو المجاز "على" المجاز.
-نقصد بالأول منهج تلمس المجاز والبحث عنه في كل كلمة على حدة فتتراكم المجازات بتوالي الكلمات في النطق ...
وأحسن من يمثل هذا النهج صاحب الخصائص العلامة ابن جني، وله نص مشهور في ذلك ننقل منه بعضه:
(اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة. وذلك عامة الأفعال نحو قام زيد وقعد عمرو وانطلق بشر وجاء الصيف وانهزم الشتاء. ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية فقولك: قام زيد معناه: كان منه القيام أي هذا الجنس من الفعل ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام وكيف يكون ذلك وهو جنس والجنس يطبق جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي الكائنات من كل من وجد منه القيام. ومعلوم أنه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت واحد ولا في مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم هذا محال عند كل ذي لب. فإذا كان كذلك علمت أن قام زيد مجاز لا حقيقة وإنما هو على وضع الكل موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير [ .... ]
وكذلك قولك: ضربت عمرا مجاز أيضاً من غير جهة التجوز في الفعل وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه ولكن من جهة أخرى وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه ألا تراك تقول: ضربت زيداً ولعلك إنما ضربت يده أو إصبعه أو ناحية من نواحي جسده ولهذا إذا احتاط الإنسان واستظهر جاء ببدل البعض فقال: ضربت زيداً وجهه أو رأسه. نعم ثم إنه مع ذلك متجوز ألا تراه قد يقول: ضربت زيداً رأسه فيبدل للاحتياط وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم في نحو هذا فيقول: ضربت زيداً جانب وجهه الأيمن أو ضربته أعلى رأسه الأسمق لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله فيكون بعضه أرفع من بعض)
الأفعال كلها مجاز عند ابن جني، وقد يستحيل عادة استعمالها على الحقيقة، لأن معنى الزمن متضمن فيها ضرورة، وهذا الزمن مطلق عام والناس يستعملونه في المقيد الخاص فلا مناص من المجاز ... وكذلك مادة الفعل المشتقة من المصادر مثل الضرب والكتابة وغيرها .. هي أيضا محكومة بالمجاز لأن تلك المصادر معانيها كلية، ولا تكون في الفعل إلا جزئية فهذا مجاز.
ويمكن أن نعمم رأي ابن جني على الأسماء بعد الأفعال فقد رأينا كلامه في دخول المجاز في العلم وأيسر منه أن يدخل في الأسماء العامة ..
"ضربت زيدا"
حسب تحليل ابن جني إن في" ضرب" وحدها ثلاثة مجازات:
أولا- في معنى الضرب فلم يوقع الضارب كل ضرب في الدنيا بل أوقع بعضه.
ثانيا- في الزمن فصيغة ضرب دالة على مساحة زمنية تمتد من زمن الكلام في الحاضر إلى ما لا يحد في الماضي وأنت تقصد قطعة محدودة من الماضي فقط.
ثالثا- في الفاعل فالضارب ليس الفاعل بكليته وإنما جزء منه كاليد إن كان الضرب بطشا أو الرجل إن كان رفسا .. ولعل ابن جني يقول هنا أيضا ليست اليد ضاربة في كليتها بل ما لمس منها المضروب.
وينضم إليها مجاز رابع في" زيد" فالمضروب في الحقيقة ليس كل زيد وإنما ضرب صدره فقط-مثلا- أما كبده فهي آمنة وكذلك أمعاؤه!!!
كذلك الأسماء العامة فهي موضوعة وضعا عاما أي للمعاني الكلية فإذا استعملت في الجزئيات نكون قد استعملناها في غير ما وضعت له ..
لو قلت" الشجر نبات" فهذا حقيقة لأنك أردت الماهية ولها وضعت.
لكن لو قلت "الشجر في بستاننا"فهذا من المجاز لأنك أردت أفراد الشجر الخارجية لا الماهية الذهنية ..
وكل هذا مآله إلى إفساد فطر الناس.
-أما السبيل الثاني فيسلكه من تحدث عن مجاز المجاز .. والانتقال هنا عمودي فثم طبقة مجازية مترسبة في الكلمة، وطبقة فوقها ثانية،وربما طبقة ثالثة أيضا فقد عثرت على نص للزبيدي يشرح فيه فعل تقرط فقال:
التَّقْرِيطُ بمَعْنَى التَّنْبِيهِ والاسْتِعْجَال والتَّضْيِيقِ والتَّأْكِيد في لأَمْرِ وهو مَن مَجازِ مَجازِ المَجَازِ فتَأَمَّل).
قلت:فتأمل!!
قال السيوطي:
¥