هو أن يجعل المجاز المأخوذ من الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر، فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني، لعلاقة بينهما، كقوله تعالى: ?وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً?فإنه مجاز عن مجاز؛ فإن الوطء تُجوِّزَ عنه بالسِّرِّ لكونه لا يقع غالباً إلا في السر، وتُجوِّزَ به عن العقد؛ لأنه مسَبَّبٌ عنه، فالمصحّح للمجاز الأول الملازمة، والثاني السببية. والمعنى لا تواعدهن عقد النكاح. وكذا قوله: ?وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ? فإن قول: لا إله إلا الله مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ، والعلاقة السببية؛ لأن توحيد اللسان مسبّبٌ عن توحيد الجنان، والتعبير بلا إله إلا الله عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه.
وجعل ابن السيد قوله تعالى: ? أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً ?فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس.
السيوطي –عفا الله عنه-يتأول كلمة إيمان تأويلا غريبا فهي عنده ليست حقيقة ولا مجازا بل هي من مجاز المجاز فقد زعم أن المراد بِالْأِيمَان في الآية هو الوحدانية وهذا إجراء المجاز:
استعمل الإيمان وحقيقته تصديق القلب ..
لكنه أراد بالإيمان شهادة التوحيد لا إله إلا الله ...
وشهادة التوحيد في حقيقته مجرد قول ..
ومراد به هنا المقول فيه أي اعتقاد التوحيد ..
وقال الغنيمي تعليقا على كلام الإتقان:
انظر هل يجري هذا المعنى في غير لا إله إلا الله من الجمل الاعتقادية،التي مضمونها اعتقادات نحو أشهد أن محمدا رسول الله،فيقال:أن أشهد أن محمدا رسول الله من مجاز التعبير بالقول عن القول فيه،وكذلك نحو البعث حق، والجنة حق، ونحو ذلك.
أقول لاحاصل من هذا الكلام إلا فصل خطير لما لا يفصل في معنى الإيمان ..
فتصديق القلب شيء والقول شيء ومعنى القول شيء ثالث .. فكأنه لم يغتن المجاز إلا على إفقار الإيمان!!!
ـ[أبو الفتح محمد]ــــــــ[25 - 10 - 07, 02:55 م]ـ
يا شيخنا أنا مش فاهم حاجة كيف أسير فى هذا العلم
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:21 ص]ـ
اللمعة 13:
حد البلاغيون علم البيان بقولهم:
(علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه).
يمكن توجيه بعض الاعتراضات على هذا الحد:
1 - إهمال المتلقي، ولا شك أن المتلقي شريك ضروري وحل الرسالة البيانية لا يقل أهمية عن إنتاجها، فإذا كان المتكلم له وضع العلة الفاعلية في البيان فالمتلقي له وضع العلة الغائية ...
وقد نص الحد على عمل المرسل وهو فعل الاختيار بين الإمكانات اللغوية لكنه لم يتجاوزه إلى عمل المتلقي لنعلم ماذا فعل عند تسلم الرسالة .. ومن هذا المنظور يبدو لنا أن كلام أبي عمرو الجاحظ أجدر بأن يتخذ تعريفا ومدخلا للبيان عوض تلك الجملة التي تناقلتها المتون والشروح:
قال:
(المعاني القائمة في صدور النّاس المتصوَّرَة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم، والمتَّصِلة بخواطرهم، والحادثة عن فِكَرهم، مستورةٌ خفيّة، وبعيدةٌ وحشية، محجوبةٌ مكنونة، وموجودةٌ في معنَى معدومةٍ، لا يعرف الإنسانُ ضميرَ صاحِبه، ولا حاجة أخيه وخليطِه، ولا معنَى شريكِهِ والمعاونِ له على أموره، وعلى مالا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره، وإنما يُحيي تلك المعانيَ ذكرُهم لها، وإخبارُهم عنها، واستعمالُهم إيّاها، وهذه الخصالُ هي التي تقرّبها من الفهم، وتُجَلِّيها للعقْل، وتجعل الخفيَّ منها ظاهراً، والغائبَ شاهداً، والبعيدَ قريباً، وهي التي تلخِّص الملتبِس، وتحلُّ المنعقد، وتجعل المهمَل مقيَّداً، والمقيَّد مطلقاً، والمجهولَ معروفاً، والوشيَّ مألوفاً، والغُفْل موسوماً، والموسومَ معلوماً، وعلى قَدر وُضوح الدَّلالة وصوابِ الإشارة، وحسن الاختصار، ودِقّةِ المَدْخَل، يكون إظهارُ المعنى، وكلّما كانت الدَّلالة أوضَحَ وأفْصَح، وكانت الإشارةُ أبيَنَ وأنْوَر، كان أنفَعَ وأنْجَع، والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ اللَّه عزّ وجلّ يمدحُه، ويدعو إليه ويحثُّ عليه، بذلك نَطَقَ القُرآنُ، وبذلك تفاخَرَت العَرب، وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم،)
¥