تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[03 - 11 - 07, 06:22 م]ـ

اللمعة 16:

إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) ...

في الآيتين عدول مشهود عن النهج المعهود في مقصدية البيان:

فالقرآن يبني جميع تشبيهاته-وهي جلها تمثيلات- على قاعدة معهودية المشبه به، ووضوحه في الأفهام، فتراه يخرج المجرد في صورة حسية، وينزل ما يدرك بالبصيرة إلى مجال ما يدرك بالبصر، لأن رب الناس -الذي خلق الناس- يعلم أن للحسي ألفة لا تكون للعقلي وأن الإنسان –بغض النظر عن وضعه العلمي-يحتاج إلى جهد كبير للاستئناس بالمفاهيم العقلية بينما تتحقق الحميمية مع الأشياء بأدنى اتصال ..

لذا السبب هجر القرآن ما يسمى بتشبيه الحسي بالعقلي فلا تجد له أثرا: فتشبيه الحق بالنور مقبول في القرآن عكس تشبيه النور بالحق ..

وقول القائل:

وكأنّ النّجومَ بين دُجاها

سُنَن لاَحَ بينهنّ ابتِدَاع

قول عار من البيان، لأن صاحب البيت إن كان يرجو بصنيعه ذاك أن يقرب صورة بصرية تتناثر فيها البقع الضوئية على خلفية سوداء فقد ضل السبيل لأن فكرة اختلاط البدع بالسنن أشد غموضا وإبهاما من الصورة الليلية التي يعرفها كل الناس .. فيصبح التشبيه من هذه الجهة لغوا وحيدة عن نهج البيان ...

لا نعني أن البيت سيء-معاذ الله- ... هو كذلك فقط من وجهة نظر بيانية ولكن لو اعتبرناه من وجهة نظر بديعية لوجدنا فيه ظرافة ولطافة ودعابة:

لقد فاجأ التشبيه سامعه وأدهشه لكنه يقينا .... لم يبين له!!

ومن رأينا أن ينتقل التشبيه المقلوب -وصنوه تشبيه الحسي بالمعنوي -من فن البيان إلى فن البديع- أو باب الكناية-.ولنا عودة للاستدلال على هذا الرأي، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى ذلك بشرط أن نحدد بأسلوب إجرائي معنى البيان أولا، و أن نجتهد قليلا في هذه البلاغة التي بهتت مع التقليد ثانيا.

نعود إلى تشبيه التنزيل ..

ما النكتة البلاغية في العدول عن مسلك المعهود؟

أي بيان في تشبيه شيء مجهول بشيء لا يقل عنه جهالة؟

نقول في تشبيه شجر الزقوم برؤوس الشياطين بيان وأي بيان .. وكذلك يكون إعجاز القرآن!

إعلم- أيها اللبيب-أن التشبيه في الآيتين يقول لك بلسان الحال إن أمور الآخرة غيب عليك فاقطع باليأس في أن تجد شيئا في هذه الدنيا يحاكي شيئا مما في الآخرة ... فاحفظ هذا قاعدة عامة.

ثم أيها اللبيب بواسطة التقريب التشبيهي المستفاد من آي القرآن قد كونت صورة خيالية عن جهنم-أعاذنا الله منها-فتستحضر صور السلاسل والأغلال واللهب وهي كلها موجودة في عالمنا الحسي فيعمل الخيال على تضخيمها وتكبيرها لتتلاءم مع مجالها الأخروي ...

لكن شجرة الزقوم هذه-من بين سائر أنواع الكائنات الجهنمية- لها وضع خاص .. !!!

ألا إنه لا يوجد على وجه الأرض شيء يشترك معها في أصل البشاعة والقبح والرعب نهائيا: فيعجز السم والحرور والحريق والحنظل والشوك وكل ما يؤذي الكائن الحي عن أن يقترب -مجرد اقتراب -من تمثيل ماهية الزقوم .. لا يمكن أن نجد لها مثيلا إلا على صعيد ملكة الوهم .. لأن هذه الملكة أعم وأقوى من ملكتي الحس والعقل ... فقد تتوهم اجتماع النقيضين فضلا عن رؤوس الشياطين.

فأي رعب يصيب الإنسان عند ما يعي أن تلك الشجرة-ولعلها الشجرة الملعونة في القرآن-شيء لا مثيل له في البشاعة لا في المحسوس ولا في المعقول!!!

هذا بيان الإعجاز و ..... إعجاز البيان!!

وإن شئت المزيد من هذا السلسبيل فتأمل هذه الصورة:

قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)

الصورة مفهومة لكنها محال في التصور:

-مفهومة،لأن جميع الناس يعرفون الزجاجة ويعرفون معدن الفضة ..

-مستحيلة التصور حسيا، لأن شفافية الزجاج لا يمكن تصورها في ثخانة الفضة مهما بالغنا في التقدير ..

إن الآية تقول: لقد رقت الفضة هناك حتى شفت، فهل تبقى الفضة فضة بعد ذلك!

والزجاج لم يصنع فيها من خسيس،فشرف حتى أصبح فضة فكيف يبقى الزجاج زجاجا بعد إذ هو فضة!

لقد أهدانا القرآن تمرينا عقليا مستحبا ولغزا بيانيا لطيفا وفوق ذلك رسخ فينا عقيدة جليلة: إياك ثم إياك أن تقيس عالم الغيب على عالم الشهادة ... الفضة هناك شفافة فهل لها مثيل عندك هنا ... وهل عندك شيء من زجاج فضي!

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[06 - 11 - 07, 03:22 م]ـ

اللمعة 17:

1 -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير