ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[15 - 11 - 07, 03:56 م]ـ
اللمع بدأت تطول، فلو جزأت المطول مستقبلا لكان أدعى إلى أن ينحصر الفكر في كليمات يقلبهن ثم يقبلهن إذا فهمهن ثم يستودعهن قلبه.
دمت في حفظ الله
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 - 11 - 07, 05:16 ص]ـ
اللمعة 20:
جملة "عاد زيد" من منظور النحوي مختلفة تماما عن جملة "عاد زيد" من منظور البلاغي.
فلتغيير زاوية النظر تأثير حاسم على ماهية الموضوع ذاته،وهذا معروف عند فقهاء العلم الذين يقررون أن المنهج هو الذي يخلق الموضوع لا العكس كما يظن بادي الرأي ..
فكلمة"زيد"ينشئها النحوي من منظوره المنهجي ويضع لها أبعادا مخصوصة وعندما يتأملها البلاغي فهو يعيد إنشاءها من جديد مفترضا لها حدودا وأبعادا أخرى.
"زيد" في تأويل النحو ذات أبعاد منها:
-الكمية الصوتية .. فالوزن الثلاثي للفظ "زيد" معتبر جدا عند النحوي/الصرفي .. لأن تغير الهيئة يفضي إلى تغير الأحكام كما في باب المنصرف والممنوع من الصرف ...
-"العلمية" .. وهذا معتبر أيضا لما يترتب عليه من قواعد تتعلق بالتنكير والتعريف ..
-"الجنسية" فكون "زيد" مذكرا له أهميته التركيبية وله تأثير مباشر على كلمات أخرى في السياق مثل الضمائر العائدة عليه ..
-"العددية" فزيد مفرد وللإفراد أحكام مخصوصة.
-"الفاعلية" المعنى الوظيفي الذي هو من أهم المعاني النحوية الخالصة ..
هذا هو" زيد" في تأويل النحوي:
اسم" ثلاثي"،" علم "،"مذكر"،" مفرد"،" فاعل" ...
وكذلك "عاد" فعل ثلاثي معتل مجرد ماض الخ ...
ومعنى الجملة ثابت أبدا: هو إسناد العودة وإثباتها في الماضي لذلك الكائن الثلاثي العلم المذكر المفرد الفاعل .. الخ.
لكن من قال: عاد زيد؟
ومن زيد في الواقع؟
ما وضعه الصحي؟
وفي أي مناسبة صدر هذا القول؟
وما زمن العودة: ذو الحجة أم رجب؟
هذه الاسئلة وغيرها لا معنى لها عند النحوي ومهما غيرنا الجواب وافترضنا الافتراضات فإن ذلك لن يغير من التأويل شيئا ..
هنا ينتهي دور النحوي ويبدأ دور البلاغي:
أعني ينتهي عهد ثبات المعنى ليبدأ عالم نسبي لا يستقر على حال، فما أشبه الصورة بما ذكره هيراقليطس من استحالة السباحة في ماء النهر مرتين!!
هذه بعض " إعرابات" بلاغية ممكنة لتلكم الجملة:
"عاد زيد":يقصد المتكلم: الأمور لن تبقى كما كانت في الماضي.
"عاد زيد": يقصد المتكلم: عادت المشاكل من جديد.
"عاد زيد": يقصد المتكلم: صحته متدهورة جدا رفض المستشفى إجراء العملية الجراحية.
"عاد زيد": يقصد المتكلم: يجب إخلاء الغرفة، وسينام عمرو مع أخيه في الغرفة الصغيرة.
"عاد زيد": هل سيعاقب ابنه أم سيصفح عنه!
"عاد زيد":إذن ستظهر الحقيقة كاملة ...
"عاد زيد": حدثت المعجزة الأخرس تكلم!!
"عاد زيد": يقصد المتكلم: أنه سيعود،وزيد إذا وعد وفى، قد عاد حكما وإن لم يعد فعلا.
ويستمر النهر في التدفق ....
وتتعاقب المعاني على محل واحد كما يختلف الماء الملامس لجسد السابح في كل ثانية ...
........
عالم النحو "نيوطوني".
عالم البلاغة "أينشتايني"!!.
ـ[عبدالعزيز المغربي]ــــــــ[19 - 11 - 07, 04:11 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم، وهذه من إنشتاينيات البلاغي:
"عاد زيد": مستحيل عقلا، ومقصود المتكلم "عاد عادُ زيدٍ" أو "عاد زيد زيدٍ" أو "عاد عادزيد زيد" أو .... أو"عاد كل ما يجوز عقلا إلا زيدا فإنه يستحيل عقلا"!
تحياتي الحارة
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[23 - 11 - 07, 09:22 م]ـ
أرجو أن تستمر اللمع، بارك الله فيك
ـ[الدكتور مصطفى عراقي]ــــــــ[24 - 11 - 07, 05:37 م]ـ
" ويستمر النهر في التدفق .... "
صدقت يا شيخنا الكريم
بارك الله لنا فيك وفي علمك الجليل
وجزاك خير الجزاء عن هاتيك اللمع النيِّرات الزاهرات
أخوكم: مصطفى
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[30 - 11 - 07, 01:46 م]ـ
اللمعة 21:
المعاني البلاغية اعتبارات وليست حقائق ..
ونعني بذلك أن المتكلم (والمتلقي أيضا) يضمن تعبيره كوكبة من التقديرات والتنزيلات والتصرفات الذهنية التي تغير من مراتب وحقائق الأشياء في الخارج ...
ويتفرع عن هذا أمر جليل:
البلاغة ليست محاكاة للواقع ...
لكنها تعيد تشكيله وصياغته من أجل تحقيق المقصد المنشود .. ولعل مبدأ:" الغاية تبرر الوسيلة "مستساغ هنا – أعني جماليا- دون أن يكون كذلك أخلاقيا.
"جاء الأسد ضاحكا" ...
هذا التعبير -على سذاجته-لا ينفك عن السيولة الاعتبارية:
اعتبار الإنسان حيوانا وتنزيله منزلته .. فلا حرج من إدخال الفارس الشجاع وأسد الأدغال في جنس واحد،ولا حرج من المؤاخاة بين الكائن الآدمي والكائن الحيواني حتى إنهما ليتبادلان الأسماء كما يتبادل الشقيقان قميصيهما ... ولا حرج من انفتاح المملكة الآدمية على المملكة الحيوانية حتى إن صفة الضحك التي هي من أخص مقومات الإنسان يمكن لها أن تنفلت من حيزها وتصبح معروضة على الاسد ومحمولة عليه ... !
هذا التجديف -من وجهةنظر المنطقي-مستساغ بل مطلوب –من وجهة نظر البلاغي-مادام المقصد ليس وصف العالم كما هو،ولكن التعبير عن شجاعة شجاع وترسيخها في مخيال المتلقي ...
وهذا المتلقي نفسه قد لا يلتفت إلى التزوير الذي وقع على العالم فيحاكم المتكلم، ولكنه يكون مأخوذا أكثر بالمقصدية البلاغية ..
مثل ما يحدث عند تلقي الرسم الساخر-المسمى كاريكاتور-فلا تجد ذهن المتلقي يتجه نحو اتهام الرسام لكونه ضخم الرأس أكثر مما ينبغي، أو دقق العنق أكثر مما هو مشاهد في الواقع، أو" جعل من الحبة قبة" ... بل إن ذهنه ليرتاد مناطق أخرى من التأمل مثل البحث عن المغزى،والكشف عن المفارقة، وتلمس الرسالة السياسية او الفكرية المحمولة على الرسم ...
¥