ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[06 - 12 - 07, 12:52 ص]ـ
اللمعة 22:
وقفة أخرى مع أهمية "الاعتبارية" في تشكيل وتكييف المعنى البلاغي:
لا بد من التمييز بين المعنى الموجود في الجملة وبين المعنى الاعتباري المستحضر بواسطة قصدية المتكلم /المتلقي ... فليست العبرة في دلالة الجملة على هذا المعنى أو ذاك إمكانا أو لزوما أو استحالة .. .. وإنما الشأن في اعتبار المعتبر ولحاظ الملاحظ. ويترتب على ذلك أمر مهم جدا وهو أن التصنيف البلاغي يتوقف أساسا على هذا المعتبر لا على طبيعة الجملة في ذاتها ... ولتوضيح ذلك نتأمل في مسألة "المعنى التضمني" أهو من الحقيقة أم من المجاز.
قال الأمير الصنعاني في إجابة السائل:
"وعند إطلاق اللفظ وقد يراد به الدلالة على جزء معناه كأن يطلق لفظ إنسان على حيوان فقط، أو على ناطق فقط، فهذه هي الدلالة التضمنية،دلالة اللفظ على جزء ما وضع له، وهي من أقسام المجاز،لأنه أطلق الكل وهو لفظ إنسان وأريد به جزؤه وهو أحد الجزئين.وأهل الأصول يجعلون دلالة التضمن وضعية وأهل المعاني والبيان يسمونها عقلية وعلى كل تقدير فهو من المجاز".
أقول:
هذه المجازية المتفق عليها بين الأصوليين والبيانيين ناشئة فقط عن القصدية ولولاها لكان المعنى التضمني حقيقة ... فينبغي التشديد على أهمية قيد " وأريد به" في قولهم:" أطلق الكل وهو لفظ إنسان وأريد به جزؤه ... "فلو استبدلناه بقيد "وفهم منه"مثلا لتغيرت طبيعة الدلالة وأضحى المعنى التضمني حقيقة لا مجازا .. فكل مستمع يفهم من المعنى الكلي للإنسان المعاني الجزئية مثل الرأس والعينين والصدر وغيرها .. لكن من غير أن يلحظها بخصوصها ... فإن لحظها مستقلة بوجه خاص فهذا هو المجاز المرسل الذي علاقته الكلية أي إطلاق الكل وإرادة الجزء ..
وكذلك لو قلت عندي "عشرون من الغنم" فالمتلقي يفهم ضمنيا أن عندك عشرين رأسا وأربعين ظلفا لكنه لا تراد هذه المعاني استقلالا .. و لو قال "عندي عشرون رأسا" وأراد بالرأس الكبش كله فإن هذا مجاز مرسل علاقته الجزئية ..
خلاصة هذه المسالة الدقيقة أن المعنى التضمني قد يكون حقيقة وقد يكون مجازا، وذلك بحسب الاعتبار:ففهمه ضمنيا في المعنى الكلي حقيقة،إما إرادته والقصد إليه بعينه فمجاز مرسل، فتوقفت الحقيقة والمجاز على المقصدية لا غير.
ـ[وليد محمود]ــــــــ[02 - 03 - 08, 03:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[وليد محمود]ــــــــ[02 - 03 - 08, 03:35 م]ـ
ولم أجد بصيصا من الأصالة والاجتهاد إلا عند قليل جدا من الباحثين المعاصرين أذكر منهم د. لطفي عبد البديع و د. رجاء عيد. للدكتور لطفى عبد البديع
3 كتب فى مكتبة المصطفى http://www.al-mostafa.com/
ميتافيزيقا اللغة
التركيب اللغوي للادب: بحث في فلسفة اللغة و الاستطيقا
أنا وحماري خوان رامون خيمينث-لطفي عبد البديع
وللدكتورة رجاء عيد كتابواحد به
فلسفه الالتزام في النقد الادبي
من اراد تنزيلهم فلينزلهم بغير برامج التحميل السريع
بل بالطريقة العادية ويستحسن تنزيلهم واحد واحد
من كان لديه المزيد فليرشدنا إليه
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[06 - 06 - 08, 07:05 ص]ـ
اللمعة 23:
يختم المصنفون عادة مبحث المعاني بباب "الإيجاز والمساواة والإطناب"
وهذا الثالوث رصد للعلاقة بين اللفظ والمعنى من جهة الكم:
-فإن كانت كمية الألفاظ المستعملة تؤدي كمية المعاني المرادة فهذه المساواة.
-وإذا زاد المعنى على اللفظ فإنه إيجاز.
-ولو تكثر اللفظ وقل المعنى فهو إطناب.
وهذا الوجه الأخير محل سؤالين:
-هل للإطناب قيمة بلاغية حقيقية؟
-وكيف نضبط مساحة انتشاره فلا يصبح هذرا وثرثرة؟
مناسبة السؤال الأول تجليها مقارنة الإطناب بضده، فمن الواضح أن الإيجاز يصلح معيارا لتحديد البليغ والأبلغ حتى مشارف درجة الإعجاز ... ولا يتصور ذلك في الإطناب:
فلو أن متكلما حدثنا فأفادنا بمجموعة من المعاني في عشر كلمات فهذا حسن ..
ولكن لو تكلم جاره فأفادنا المعاني عينها في سبع كلمات فهذا أحسن وهو أبلغ من صاحبه ..
وأبلغ منهما من استعمل خمسا فقط وأفادنا ما أفادنا من قبله ...
ولا بد للتنافس أن يقف عند حد ما ..
ومن مظاهر إعجاز القرآن بهذا الصدد أن إيجازه يستحيل أن ينزل عنه ..
مثل قوله تعالى:
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} طه60
وقد سبق لنا أن بينا أن هذه الكلمات تحكي قصة بأكملها!!
ومثل قوله:
"أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ"
فالكلمتان تكادان تحيطان بكل شيء!!
لكن ما حال الإطناب .. هل يصلح أن يكون موضوع منافسة بلاغية يفصل فيها بين المتنافسين ويوضع كل واحد في رتبته؟
من منكم أكثر ثرثرة من خصمه؟
ستكون المبارزة فكاهية بلاشك!
ثم ما من آية إلا ويمكن الزيادة فيها بتكرير أو شرح أو تفصيل-كما يفعل المفسرون مثلا- .. فلو كان الإطناب في ذاته من الوجوه البلاغية المعتبرة للزم أن نتوهم في كل آية إمكانا بلاغيا ما لم تحققه ..
ولا يقال كيف تسلب عن الإطناب قيمته البلاغية وقد يستدعي المقام التفصيل والتطويل فيكون بليغا حينئذ، لأننا نقول ليس كلامنا إلا عن بلاغة الإطناب في ذاته .. وأما المناسبة للمقام فهذا أمر كلي يتفق لكل قول ولكل أسلوب ... بل حتى اللحن في اللغة قد يكون أبلغ من الصحة .. أرأيت لو كان أمير يحدثك فلحن في جملة فعلية .. ثم كان عليك أن تقول الجملة ذاتها .. فهل ستقولها صوابا فتحرج أميرك أم ستلحن بدورك تفاديا لكل إحراج ... لعل البلاغة تنصحك بالخيار الثاني خاصة إذا كان مزاج أميرك عكرا!
بقية الإطناب في لمعة قادمة بحول الله.
¥